الأربعاء، 3 فبراير 2010

الواقفون على ابواب الجنة

كثيرا ما سمعنا عن الملاك الحارس وكثيرا ما قراءنا عن معجزات يقوم بها ملائكة او قديسيين لكن القليل منا من حصلت له تجربة مباشرة مع قديس او ملاك حارس ... في عالم متلاطم الامواج وبهدير كبير وضوضاء تملء الكون وزلازل تقلبنا راسا على عقب ولدنا في ظل العشيرة تربينا وعلى صهوات الجياد سابقنا الريح وبدولة تقيس الرجولة بطول الشارب وعرض الكتف تربينا .. العيب ميزة والحياء صفة والممنوع كثير كثير جدا ..
قست قلوبنا ونحن ننظر للامور مابين السيف والسوط نجتر الظلم اجترارا لنظلم نحن اخرين بين سادية النفس وماسوشية الثار منها درجنا نتنقل بين المواكب نلطم صدورنا ونظرب ظهورنا بمقالع من حديد ونختمها براس مفجوج ودم منثور قربانا لمن قتل ظلما اعتقدنا وثارا ارتضينا لانفسنا ان نخوض فيه ....
بثقافة المقابر وبروح الموتى جعلنا حياتنا جحيما لايطاق .... امتزجت لدينا الالوان امتزاجا غريبا فقدنا فيها حتى التميز بينها اصبحت العين لا ترى الا اللوان صبغنا فيها انفسنا عمدا واصرارا منا على العبودية لها فاصبحت الدنيا لاترى الا من خلال اللون الاسود الذي غطى قلوبنا والاحمر الذي غشا بصائرنا فبين الدمعة المسكوبة والاهه المكتومة عودنا انفاسنا ونحن نسمع لمن ارتضى ان يتقيء علينا كل يوم من مما يسميه منبر حتى اصبح الدين لدينا هذا القيء الذي يقوله شخص مهبول يحدثنا عن معجزات لم تحدث والا في رؤس قائلها ....
ونحن اطفال صغار يملئنا فرح الحياة قمعنا ان نضحك او نفرح في ايام اصبحت طويلة جدا وكانت قصيرة حينما تعد امنا المجلس كنا نساعدها بتعليق الرؤوس المقطوعة على الجدار والافراس التي تنزف دما ونختمها بكلمات الثار واللعن والتبراء ممن لم نره في حياتنا ولن نراه مستقبلا ضاعت طفولتنا ونحن نبحث عن الثائر حتى اصبحننا نحس بالعجز عن اخذه لم يدر في خلدنا يوما من من هو هذا الثار الابدي الذي رضعناه مع الحليب وسنسقيه الى اطفالنا جرعات من الزقوم ان لم نكسر حلقته الثار هذه ....
تقلبت الايام فينا وكبرنا ونحن ننتظر يوم الثار هذا لكي نعيش بعدها كما تعيش كل شعوب الارض الا ان جاء يوم شابت به الرؤس وواجهنا كل طغات الارض دفعه واحدة ساعة بساعة ويوم بيوم وكل حمم الارض تتساقط علينا تقطعت الاودجة وبلغت القلوب الحناجر وضاقت الدنيا بمارحبت امتشقنا السيف ونحن نرى ان الارض اصبحت بلون الدماء مصبوغة وركبنا صهوات خيلنا التي اعددناها طويلا ونحن نسابق بها الريح يوما بعد يوم نطعمها من اجود ما تنتجه الارض من اعلاف ليوم ضنناه قريبا وسيدنا يتحدث به على المنابر طويلا تسابقنا كل يتطاول برقبه جواده لياخذ الثار من شياطين الارض التي هجمت علينا ولكن يالهول الكارثة لم يكن ما اعددناه من عده موجه للشيطان بل معد للدفاع عنهم وهم ياكلون الاخضر واليابس ....
فجعت في القلب تمزقت رئتي وانا اتنفس رائحتهم الكريهه وهم يضحكون مع من داس اخوتهم ببسطاله الاجرب مدوا له سيماط الطعام طويلا وامطروه باايات الشكر والعرفان قبلوا يديه واقدامه امامنا ضحكوا معه احتضنوه قبلوه في شفاهه تلك العمائم العفنه التي تقيئات علينا سنوات طويلة من على المنبر وهي تحدثنا عن الظلم والعدل وعن الثار والانصاف وعن السيف والقلم وهي تتمجد بمعجزات لم يرها اصحابها ها قد رئينا معجزاتكم ماثلة امامنا ......
ياللعار كسرت الرمح وعقرت الفرس والقيت بالترس والسيف بعيدا وانا اجرجر خيبتي فيكم لاتقوى ارجلي على حملي رجعت الى مخبئي وانا انزف دما من عيوني تكورت على نفسي كفرت بالدنيا واحرقت كتبكم كلها فلم تكن سؤى خراجات نتنة وضعتها في مكتبتي طويلا لم يكن فيها كلمة صدق واحدة جلست اواجه الصورة التي مجدتها طويلا وانا احدثها فيمن كان العيب فيك ام فيهم ام ان العيب في انا ... انا من صدق واقر انا من انتظر طويلا وهو يلعن امه الجمت واسرجت وتنقبت لقتالكم انا من ردد كلببغاء دروسهم السمجة من انتظر دولة كريمة اهذي دولتكم التي وعدتموناها دولة العقارب والافاعي دولة السراق والبواغي دولة العهر والنكاسة ...
طويلة هي الايام التي احصينا بها قتلانا طويلة هي الساعات التي انتظرنا بها امام المشرحة لنستخرج جثه لصديق او حبيب او اخ او رفيق طريق ودراسة ... كل ما رئيناه تراب كل ما لمسناه تراب كل ما حلمنا به تراب وعمائم العهر تسكر في مضبعتها بدامائنا وتشرب نخب الحياة في جماجم قتلانا اطفال شوهم في الافران وحملوهم الى اهليم عشاء يبكون ....
نعم لقد ارتووا ثارا نعم لقد انتشوا ثارا ولكن ممن من ابنائهم وشركائهم بالوطن اما الشياطين فقد كانوا احبابهم وحلفائهم ومصدر قوتهم اوقفوهم في ظهورهم وهم يغيرون غارات الموت ليجتثوا الناس من جذورها هجروا الملايين يتموا الاطفال شردوا العلماء قتلوا الابطال ثاروا من الطيارين والعلماء ليسود الجهل والتخلف لتسود الامية ولتسود العبودية وهم يصيحون لبيك لبيك ثارا اليك ارتضينا لبيك ....
اعادونا الى عصور التخلف لم نجدد من الحضارة شيء يذكر فقدنا حتى النور في منازلنا فقدنا حتى النفط في لالاتنا فقدنا حتى الخبز في حصتنا ... ولم يشبعوا منا قتلا ملؤا سجونهم بالابرياء ملئوا ارحام البواكر بالسفاح في غفله من الزمن ساد اشرار الارض في غفلة من الزمن ساد دعاة المظلومية فملؤها ظلما .....
اما الشياطين فقد تحالفوا معها واعطوها اوكارها يمدونها بدماء الابرياء لتشرب حد الثمالة وتاكل من اكبادنا حد التخمة وضعوا قوانينهم وشرعوا شريعتهم بلد تسيد فيه الضباع بعد ان قتلوا الاسود التي كانت تحميها .. وبدائوا قتال لاينتهي وحربا غشوم لاترتوي مفخخات وعبوات وكواتم اصبحت حياتنا تلوك بهذه المفردات لتصبح جزاءا من حياتنا يومية تتناثر بها الاشلاء في كل مكان تحرقك الى حد التفحم تحيلك الى عناصرك الاولية من فحم وسخام يبقى اثره على الطريق بشاعه الموت المجاني في العراق لاتقابله بشاعة في الكون كله .. نعم انها ثقافة المقابر ثقافة الموت ثقافة الثار للموتى لتمتد من جديد حلقة مفرغة لانتقطع ولن تنقطع ماداموا يجدوا لها وقودا في عقول فارغة تمشي طويلا بحثا عن خلاص الروح بطريقتهم الروزخونية بحثا عن جنة لن يروها ابداء موصوفه لهم بطريقة غبية ....
وفي هذه الظلمة البهيمة تمتد لك يد من نور قديسة في زمن ضاع فيه الطهر والقداسة في زمن باتت فيه القذارات تغطينا وتملاء شوارعنا في زمن الذئاب التي حاصرتنا في مدننا خلف اسوار الكونكريت في مثل هذا الزمن تمتد اليك يد من نور وذراع من مرمر لتنقلك الى عالم اخر لم تصدق نفسك وانت تراه .......
مضى دهر طويل اربع واربعون سنة وانت تبحث عن الجنة شاب الراس وضعفت الاعين وان تغوص في امهات الكتب وانت تبحث عن الملكوت جربت كل شيء دققت كل الابواب لطمت بكيت توسلت وانيت زحفت على اقدامك امامهم انيروا لي درب الملكوت فما وجد الا ظلمة من خلف ظلمة لم يقنعوك حقا بما يقولون كله كلام في كلام اجوف لايوصلك الى ما تريد نعم تتعلم على ايديهم الكره تتعلم الحقد تتعلم القتل تتعلم حتى العواء مع الذئاب ولن تسمع ولن ترى الا ما يريدون هم ان تسمعه وتراه وان انتفضت لانسانيتك كفروك فالراد على امامهم كالراد على نبيهم كالراد على الله بهذا المنطق اصبحت اسير رغباتهم حتى ملئت حقدا ودما .....
اما هذا الملاك الذي خرج عليك من بين هذه الظلمة الحالكة فهو شيء اخر لم اتوقع انه موجود في هذا الزمان لقد تصورته كائنا اسطوريا حاولت جداتنا ان تعطينا امل الحياة بالكلام عنه لم يدر في خلدي يوما ان الملائكة مازالت موجودة على الارض تغني وتنشد وترنم .....
لقد سحبني من وسط هذه الظلمة الى واحه لم ار مثل جمالها يوما جنة على الارض كل ما تسمعه ترنيمات الملائكة بعود وقيثارة ومزمار قديم ترنم تمجد الرب وتعلي مجده ايضا ... الكل متحدون على شيء واحد اسمه الفرح الكل متفقون على ان الرب معهم في داخلهم والجنة مكانها في القلب وليس في مكان اخر .....
كل واحد فيهم يملك جنة في داخله من نوع خاص كل واحد منهم خلقه الله ابنا له ويتفاخر بانه الاقرب الى الله وبالمجموع هم ابناء الله واسسوا شركه بينهم وبينه ... شركه راسمالها الحب احبك فتحبني وبعد ذلك ياتي كل شيء المهم انني احبك ... يالها من رائعة تلك الكلمة احبك افتقدناها طويلا في كل شيء في حياتنا التي بنيت على الكره اكرهك فتكرهني فاما ان تكون تحت سلطتي او ان تموت وتذهب الى الجحيم ....
اذهلني حبهم اذهلني تواضعهم اذهلني ضحكم تميزت غيضا وانا اراهم يحسنون لمن يسيء اليهم وكتمتها في صدري لم ولن افهم يوما لماذا هم هكذا .. عدت الى سؤالي القديم هل العيب فيك ام فيهم ام العيب في انا ؟؟؟
ابحرت بينهم بمركب مكسور الدفه يقوده الملاك ليريني جبال الياقوت وتلال الذهب وجنات الفردوس عقول واعية ومثقفة ومدركة وقلوب اطفال نعم هم هكذا .. يصعد احدهم الى المنبر فيتكلم بالحب تمنيت يوما ان اسمع كلمة عن الكره اشتقت اليها طوال وجودي بينهم لابرر لنفسي سبب الهزيمة ولكنهم ابو الا ان يهزموا في داخلي الكره والحقد ابوا الا ان يزرعوا المحبة والسلام والطمئنينة ابو الا ان اكون بينهم صادقا واضحا ابو الا ان انسى الماضي وامتد الى الامام الا ان اترك ما حصل حصل واعيش ولاده ثانية لاكون جزءا من شعب تفنن في الحب كما تفننا في القتل تفنن في العدل كما تفننا في الظلم .....
وفي غفله من الملاك هربت لاخرج خارج ابواب الجنة لقد اشتقت للعواء مع الذئاب اشتقت لقيادة القطيع اشتقت للمطاردة الفرائس اشتقت للصيد اشتقت لرائحة الدم ... ولكنني لم انتبه الا ان رائحتي اختلفت فقد تحممت في انهار الجنة وتعودت على ان اكون صادقا وان انظر الى الطريدة برحمة لم اكن لامتلكها يوما انتبه لي القطيع وشمشم رائحتي واستغرب من تصرفاتي فطردني بعيدا عنه فرجعت الى تلتي لاقف فوقها واعوي وحيدا فحتى الافاعي تقئيت رائحتي فمازال شذى الياسمين وعطر الارجوان يفوح من بين جوانبي ....
تنبهت الى نفسي وندمت كثيرا ورجعت اركض في الغابة التي اصبحت موحشة علي باتجاه ابواب الجنة وقفت على الباب الموصد في وجه الخطاة وخلفة ملائكة تحمل سيوف من نار لتحمي ملكوت الله نظرت من خلال الباب لاارى ملاكي يلهوا في الجنة ولا يتنبه الي ناديته ولكن كان ندائي عواء مقرف وليس صوت اناشيد تاملت في نفسي طويلا ماذا فعلت تكورت حولها وانا نادم على ما فعلت بنفسي ... سابقى واقفا هناك على ابواب الجنة عسى ان يلمحني ملاكي الحارس ليفتح لي الباب من جديد .

ابو خليل التميمي / بغداد المسورة بكتل الاسمنت