الثلاثاء، 28 أبريل 2009

( الصراع الاعلامي بين العراق والولايات المتحدة الامريكية الجزء السادس

الحرب الاعلامية ( الصراع الاعلامي بين العراق والولايات المهزومة الامريكية ) الجزء السادس

ان الحرب الاعلامية العراقية الامريكية قد بداءت من وقت مبكر مع ظهور بوادر النهضة العراقية الحديثة بعد ثورة تموز المباركة فعلية تاميم النفط والقضاء على اوكار التجسس وتعدد مصادر التسليح ثم بعد ذلك حل القضية الكردية ومن ثم معاهدة الجزائر في الخمسة وسبعين كانت من اهم العوامل التي احست بها الادارة الامريكية بان العراق الان بداء يخرج من النفق وانهوا باتجاه الوصل الى نقطة الخروج الكامل من الهيمنة الامريكية على مقدرات الشرق الاوسط وخصوصا بعد رفع شعار النفط سلاح في المعركة ومن هنا أحست الإدارات الامريكية بضرورة الوقوف بوجه هذه النهضة خصوصا وانها لم تكن تعتمد على الولايات المتحدة او انها كانت خارج نطاق السيطرة الفعلية للإدارات الامريكية مع الاخذ بنظر الاعتبار ان هناك في هذه الادارات من ينظر لموضوع العراق نظرة دينية متعصبة باعتبار العراق هو ارض بابل التي تمثل تهديد لامن اسرائيل سواء بالصورة الفعلية او من ناحية الاساطير التوراتية واي نهوض لهذه القوة من جديد سيودي بالاخير الى خطر كبير على نشاء وتكوين الكيان الصهيوني وهذا اوجد خلافات داخل الادارة الامريكية في كيفية معالجة المسالة العراقية ففي نهاية السبعينات من القرن الماضي وقع الرئيس الامريكي الأسبق جيمي كارتر ضحية انقسام وصل الى حد صراع شرس ومرير بين وزير خارجيته سيروس فانس ومستشاره لشؤون الأمن القومي زبيغنيو بريجينسكي. حدة الصراع بين هذين الرجلين واختلاف رؤيتهما المتناقضة مع بعض اوصلا الرئيس والإدارة الى ما يشبه حالة العجز التام، وحولت الرئيس كارتر الى احد اضعف الرؤساء في كل تاريخ امريكا. التذكير بهذا المثل لا يستهدف سوى التأكيد على ان هذه الحالة ليست طارئة على الحياة السياسية الامريكية، وأنها يمكن ان تتكرر في كل زمان ومكان.
ان القراءة الايديولوجية المغلوطة التي قدمها الاعلام العالمي لما حدث فعلا بالعراق من تطور باتجاه بناء دولة حديثة مبنية على اسس من الانصاف الاجتماعي والوطني وما يشكله من طموح مشروع للنهوض بهذا البلد باتجاه تاسيس كيان حضاري انساني ، كانت معادية ومشحونة الى الحد الذي يمكننا من وصفها بالسذاجة، وللدقة يجب ان نقول بأن النسبة التي فرضت هذه القراءة منذ البداية تشكل اقلية ضئيلة لكنها فاعلة فهي تمتلك الادوات الازمة من صحافة ومؤسسات اعلامية كبيرة .. وهي لم تفعل ذلك عن عدم دراية، بل هي فعلت ذلك عمدا وعن سبق اصرار وترصد، مستهدفة بذلك فرض قراءتها الدينية المؤدلجة على كل العالم ويجب ان نعترف بأنها نجحت في ذلك، اما البقية من الاعلام العالمي وبقية العالم فقد وقع ضحية لأكبر عملية تضليل سياسي وإعلامي في العصر الحديث. من هنا تشكل عملية اعادة قراءة الأمور مهمة تستهدف الوصول الى الحقائق وبعيدا عن محاولات التضليل الايديولوجي، وتشكل في نفس الوقت مدخلا للحديث عن انعكاسات هذه القراءة المغلوطة في مناسبات أخرى
عندما تقع قراءتنا لحدث ما فريسة سهلة في شباك منطلقات ايديولوجية مغلوطة، تكون النتائج التي نتوصل اليها خاطئة لا محالة، لكن عندما تتحول هذه القراءة المؤدلجة الى ثوابت ومسلمات عالمية يرددها الكل من دون تفكير، عندها نكون قد وقعنا ضحايا لأكبر عملية نصب سياسية وإعلامية في العصر الحديث. وهذا هو ما حدث بالضبط لقراءة الاعلام العالمي وقسم كبير جدا من النخب السياسية، للحرب الامريكية في العراق، على الأقل في سياقها التاريخي والعلاقة السببية التي تربط بين العوامل المتداخلة في هذه القضية المعقدة الشائكة، والتي اخضعت بكل سهولة وبساطة لأكبر عملية تسطيح..

ولنبداء بالتضليل الايدلوجي باستخدام الافكار الأصولية للانجيليين الذين منهم ادارة بوش

ولعل أشهر الأصوليين الإنجيليين من الذين يُبشرون على شاشة التلفزيون بنظرية (هرمجدون) هو بات روبرتسون ويشاهد برامجه أكثر من 16 مليون عائلة أمريكية، وجيمي سواغرت الذي ناظره الشيخ أحمد ديدات شفاه الله (9,25 مليون منزل). وجيم بيكر ويُشاهد برامجه حوالي 6 ملايين منزل، وهو يعتقد أن علينا أن نخوض حربا رهيبة، لفتح الطريق أمام المجيء الثاني للمسيح. وجيري فولويل (5,6 مليون منزل)، وهو على علاقة وثيقة بجورج بوش (الأب) الذي كان نائب الرئيس ريغان آنذاك. ومن هؤلاء أيضا كينين كوبلاند، يُشاهد برامجه 4,9 مليون منزل، وهو يقول : " أن الله أقام إسرائيل. إنّنا نُشاهد الله يتحرك من أجل إسرائيل … إنه لوقت رائع أن نبدأ في دعم حكومتنا، طالما أنّها تدعم إسرائيل … إنه لوقت رائع أن نُشعر الله، مدى تقديرنا لجذور إبراهيم ".
هؤلاء هم أشهر المؤمنين بهذه النظرية وهناك من بين أربعة آلاف أصولي إنجيلي، هناك 3 آلاف من التدبيريين، وهؤلاء يعتقدون أن كارثة نووية فقط، يمكن أن تُعيد المسيح إلى الأرض.
بالمناسبة هذه الأفكار لا تهمس في سراديب الكنائس أو منابر الوعظ فقط، بل تبث عبر 1400 محطة دينية في أمريكا، وقد تابعت أنا ما يسمى بقناة الإله (God TV) ولاحظت كيف أن المبشرين يعظون الناس وعن يمينهم علم الولايات المتحدة وعن يسارهم علم إسرائيل.
وكذلك تبث هذه العقائد عبر 400 محطة راديو. وخلاصة تعاليم هؤلاء هي أنه: "لن يكون هناك سلام حتى يعود المسيح، وأن أي تبشير بالسلام، قبل هذه العودة هو هرطقة ( تخريف وكفر )، إنه ضد كلمة الله إنه ضد المسيح ". وهذا ما يقوله أيضا ( جيم روبرتسون ) التلفزيوني الإنجيلي الذي دعاه الرئيس (ريغان)، لإلقاء صلاة افتتاح المؤتمر الحزب الجمهوري عام 1984م.
وهناك كتاب اسمه (آخر أعظم كرة أرضية) وهو يبشر بذات الفكرة وقد بيع منه بعد صدوره حوالي 18 مليون نسخة، ويعلم الله كم مليون أمريكي آخر قرأ هذا الكتاب حتى الآن.
يقول مؤلف الكتاب: والمأساة ستبدأ هكذا : كل العرب بالتحالف مع السوفييت (الروس )، سوف يُهاجمون إسرائيل ". ويقول: "إن القوة الشرقية سوف تُزيل ثلث العالم … عندما تصل الحرب الكبرى إلى هذا المستوى، بحيث يكون كل شخص تقريبا قد قُتل، ستحين ساعة اللحظة العظيمة، فيُنقذ المسيح الإنسانية من الاندثار الكامل (الفناء) ". ويُتابع: "وفي هذه الساعة سيتحول اليهود، الذين نجوا من الذبح إلى المسيحية ".
يقول أحد القساوسة من المؤمنين بهذه العقيدة: "إننا نصلي بالفعل من أجل السلام في القدس … إننا نحترم كثيرا رئيسيّ حكومتيّ إسرائيل ومصر … ولكن أنت وأنا نعرف أنه، لن يكون هناك سلام حقيقي في الشرق الأوسط، إلى أن يأتي يوم يجلس فيه الإله المسيح (تعالى الله كما يقولون) على عرش داود في القدس ".
الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان كان واحدا من الذين قرءوا هذا الكتاب وذلك في عام 1986م، واستنادا إلى الرئيس السابق لمجلس الشيوخ في ولاية كاليفورنيا، فإن ريغان كره ليبيا، لأنه رأى أنها واحدة من أعداء إسرائيل، الذين ذكرتهم النبوءات، وبالتالي فإنها عدو الله ".
ولم يتوقف ( ريغان ) في انتخابات الرئاسة عن الحديث عن هرمجدون، ومن أقواله : " إن نهاية العالم قد تكون في متناول أيدينا … إن هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سيشهد هرمجدون ". وقد كان ريغان يظن أن التزامه القيام بواجباته (ومنها إضعاف العرب وخصوصا جيران إسرائيل)، تمشيا مع ارادة الله.
طبعا ليس كل نصارى العالم يؤمنون بذلك، فعلى سبيل المثال يرى نصارى فلسطين بأن الصهاينة يُفسدون تعاليم المسيح. وأن هذه العقيدة سياسية ولا علاقة لها بالدين.
ولذلك بدأ الإسرائيليون باستخدام أمثال أولئك القساوسة المتطرفون لتحقيق أغراضهم ومطالبهم، وتأييد سياساتهم لدي الشعب والساسة الأمريكان، وقد بلغ الأمر أن أحدهم كان يقول: "إن الله يُحب أمريكا، لأن أمريكا تُحب اليهود ". ويقول ايضا للأمريكيين: "إن قدر الأمة يتوقف على الاتجاه، الذي يتخذونه من إسرائيل … وإذا لم يُظهر الأمريكيون، رغبة جازمة في تزويد إسرائيل بالمال والسلاح، فإن أمريكا ستخسر الكثير ".
وطبعا قامت الصهيونية بإبراز هؤلاء ليصبحوا شخصيات سياسية وإعلامية مرموقة على الساحة الأمريكية، لدرجة أن الرؤساء كرونالد ريغان وجورج بوش (الأب) كانوا يدعونهم ويقبلون دعوتهم.
بالنسبة لأصحاب الفكر التدبيري فإن هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل، مطلب إلهي منصوص عليه فيه التوراة، كما يعتقد مسيحيو الغرب، فضلا عن يهود الشرق والغرب، وينتظر هؤلاء المتعصبون من الإرهابيين اليهود أن ينسفوا الأماكن المُقدّسة و( فكروا في قصف المسجد الأقصى بالطائرات أو ، مما سيتسبّب في إثارة العالم الإسلامي، ودفعه إلى شنّ حرب على إسرائيل، مما يحمل المسيح على التدخل، وطبعا لا يمكن لذلك إلا بعد بناء هيكل يهودي ثالث ".
هل كل المسئولين السياسيين والعسكريين الأمريكان يؤمنون بهذه النظرية وينطلقون منها ؟ الجواب كلا فمنهم من هو ملحد لا دين له، وبعضهم ينظر للأمر من الناحية السياسية أو الاقتصادية البحتة، ومع ذلك يبقى أن أثر اليهود على المؤسسات صانعة القرار في أمريكا كبير ومؤثر خصوصا وأنهم يبسطون نفوذهم على قطاعات غاية الأهمية كقطاع المال والإعلام.
طبعا هذا غير ماصرح به المستشار الألماني السابق حول محادثة تلفونية مع جورج بوش يحظ على المشاركة بالحرب بدعوة يأجوج ومأجوج والترهات التوراتية التي يرتكز عليه بوش .
نصوص التوراة المحرفة (كتب العهد القديم)، والتي هي عبارة عن بقايا مشوّهة لرسالات أنبيائهم، مع تفسيرات وتوجيهات أحبارهم، وكذلك المعتقدات والأساطير والخرافات التي كانت متداولة في وقت تدوينها، أو حتى تلك التي سبقتها. هذه النصوص جعلت المتعصبين من النصارى يتحدثون بنشوة عن يهوه وهو يسحق الرؤوس، ويملأ الأرض بجثث غير المؤمنين، وعن الرغبة من الانتقام، من أطفال بابليين (عراقيين) وإلقائهم فوق الصخور.
إن ما يتعرض له العراق اليوم ما هو إلا حرب دينية في المقام الأول فهذا الحلف بين إسرائيل والولايات المتحدّة هو حلف عقائدي عسكري تُغذيه النبوءات التوراتية والإنجيلية المزروة، وللعلم فإن هناك أكثر من عشرين يهودي في إدارة بوش الحالية (راجع مقال اليهود في الإدارة الأمريكية بالأسماء والمناصب لمحمود مراد).
إن خطة العدوان علي العراق هي خطة إسرائيلية وضعها صهيوني أمريكي اسمه (ريتشارد بيرل) وهو الذي يترأس مجلس السياسات الدفاعية بالبنتاجون ويعمل مستشارا لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وقد أعد هذه الخطة بمشاركة عناصر من اللوبي اليهودي الصهيوني وجري اقناع الرئيس بوش بتبنيها. (تقرير كتبه مصطفي بكري بعنوان بوش يخوض حربا دينية تحت شعار عودة المسيح(
تخبرنا هذه النصوص بأن اليهود لم ينسوا أبدا تخريب دولتهم الأولى على يد ملوك بابل، كما تنص عليه توراتهم في أكثر من ثلثها، وهم ينسبون ذلك إلى بختنصر (نبوخذ نصر) وهو ما يُسمّى تاريخيا (السبي البابلي) أو (السبي الآشوري).
كما يعتقد اليهود بأن تخريب دولتهم الثانية سيكون أيضا على أيدي البابليين وهم أهل العراق، وهم لذلك يرغبون وبقوة في ضرب العراق وتدميرها إنتقاما من وعد المرة الأولى وتفاديا لوعد الآخرة (المرة الثانية) كما في قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) (الإسراء 7 ) ولذلك قاموا بتزوير التوراة، وملئوها بمشاعر الحقد والقهر والنقمة والرغبة في الانتقام، ومن أمثلة ذلك هذا النص من التوراة: "داس مُضطهدونا أعناقنا، أُعيينا ولم نجد راحة، خضعنا باسطين أيدينا إلى أشور ومصر، لنشبع خبزا، " والنص الآخر كما جاء في تلمودهم عن العرب: (كانوا قادة تخريب الهيكل مع نبوخذ نصر).
وتقول توراتهم: "وفي ختام السبعين سنة أُعاقب ملك بابل وأمّته (العراق)، وأرض الكلدانيين على إثمهم، وأُحولها إلى خراب أبديّ، يقول الرب"
وتقول توراتهم محذرة من العراق كما في (حزقيال): "وأوحى إليّ الربّ بكلمته قائلا : أمّا أنت يا ابن آدم، فخطّط طريقين لزحف ملك بابل. من أرض واحدة تخرج الطريقان"
هذه النبوءات التوراتية حفرت في عقول اليهود ومن خلفهم الأمريكان النصارى إشارات لا تمحى، وكونت لديهم مواقف لا تقبل النقاش من العراق وبقية جيران إسرائيل، مما جعلهم يحرصون على حرمان الدول المعادية لإسرائيل والقريبة منها من أي قدرة عسكرية، والسعي للقضاء عليها إن وجدت وتدميرها. (وللاستزادة في هذا الشأن اقرأ كتاب نهاية إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية لخالد عبد الواحد)
تقول توراتهم (أشعياء 14: 29) لا تفرحي يا كلّ فلسطين ( إسرائيل )، لأن القضيب الذي ضربك قد انكسر. فانه من أصل تلك الأفعى يخرج أُفعوان، وذريّته تكون ثعبانا سامّا طيّارا … ولول أيّها الباب، ونوحي أيّتها المدينة، ذوبي خوفا يا فلسطين قاطبة، لأن جيشا مُدرّبا قد زحف نحوك من الشمال … ".
وتقول أيضا : (انظروا، ها شعبٌ زاحف من الشمال، وأمّة عظيمة تهبّ من أقاصي الأرض، …، لمحاربتك يا أورشليم (بلد السلام - القدس).
وفي نص آخر من توراتهم المحرفة ينسبون إلى الرب أنه قال متوعدا بني إسرائيل: (وآتي بهم عليك من كل ناحية، أبناء البابليين، وسائر الكلدانيين (العراق)، ومعهم جميع أبناء أشور (سوريا).
فهل نستغرب بعد ذلك أن هذه الحرب المجنونة التي يعترف الجميع بما فيهم السياسيون الأمريكيون بأن المحرض الأول عليها هم اليهود إنما هي تنفيذ لمخطّطات أحبار اليهود القديمة التي كتبوها للانتقام من أهل بابل أو كما يصفونها (بنت بابل) أي العراق الجديدة.
وتقول التوراة المحرفة أيضا: "ها هو يوم الرب قادم، مفعما بالقسوة والسخط والغضب الشديد، ليجعل الأرض خرابا ويبيد منها الخطاة … والشمس تظلم عند بزوغها ( كسوف )، والقمر لا يلمع بضوئه ( خسوف ) . وأعاقب العالم على شرّه والمنافقين على آثامهم، وأضع حدّا لصلف المُتغطرسين وأُذلّ كبرياء العتاة … وأُزلزل السماوات فتتزعزع الأرض في موضعها، من غضب الرب القدير في يوم احتدام سخطه. وتولّي جيوش بابل حتى يُنهكها التعب، عائدين إلى أرضهم كأنهم غزال مُطارد أو غنم لا راعي لها. كل من يُؤسر يُطعن، وكل من يُقبض عليه يُصرع بالسيف، ويُمزّق أطفالهم على مرأى منهم، وتُنهب بيوتهم وتُغتصب نسائهم ".
وقد رأى العالم كيف أن القذائف التي تلقيها قوات التحالف الجائرة والتي تنطلق من بلدان أبناء يعرب تمزق الأطفال وتهشم رؤوسهم وتبقر بطونهم تماما كما يريد كاتبوا هذه النصوص.
ويقول نص آخر "فتسخرون من ملك بابل قائلين : " كيف استكان الظالم وكيف خمدت غضبته المُتعجرفة ؟ قد حطّم الرب عصا المنافق وصولجان المُتسلطين … (إلى قوله) أعدّوا مذبحة لأبنائه جزاء إثم آبائهم، لئلا يقوموا ويرثوا الأرض فيملئوا وجه البسيطة مُدناً. يقول الرب القدير : " إني أهبّ ضدهم، وأمحو من بابل، اسماً وبقيةً ونسلاً وذريةً، وأجعلها ميراثاً للقنافذ، ومستنقعاتٍ للمياه، وأكنسها بمكنسة الدمار ". ويفسرون (مكنسة الدمار) بأنها القنابل النووية.

ولنا أن نسأل كيف يأمرهم الله بتدمير العراق وإبادة أهله، وتمزيق أطفاله؟ هل الله أن يأمر أو يُحرّض على الإفساد في الأرض، بل إن الله عز وجل قد توعد اليهود (بني إسرائيل) بالتدمير لأنهم سيفسدون في الأرض كما في سورة الإسراء: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ... الآية) فالله عز وجل سيعاقبهم لعظم ما أفسدوه في أرضه، ولأجل الإفساد ذاته فكيف يأمر به؟ ومع ذلك فهذه النصوص التحريضية للأسف الشديد يؤمن بها كثير من النصارى الأمريكان وعلى رأسهم الرئيس بوش الابن الذي نقلت عنه (مجلة النيوزويك في عدد 10 مارس) أنه وهو وأنصاره من الانجيليين يأملون أن تكون الحرب القادمة علي العراق فاتحة لنشر المسيحية في بغداد"
بوش الذي يعتبر أحد أعمدة طائفة 'الميسوديت' المعبرة عن التحالف الصهيوني المسيحي، والذي يعزو البعض نجاح بوش في حياته السياسية بأنه توقف علي هذه الطائفة التي تشكل خليطا من الصهيونية والمسيحية.
وكذلك البريطانيين وعلى رأسهم توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الذي انضم إلي طائفة الميسوديت منذ ثلاثة أعوام وأصبح منتظما في قراءة الكتاب المقدس للميسوديت وأداء كل طقوس العبادة التي تقرها هذه الطائفة. وقد كان لانضمام بلير إلي الطائفة الفضل في وجود لغة مشتركة بينه وبين بوش، حيث يعتبر بلير أن بوش أستاذه في الطائفة.
ونعود إلى نصوص التوراة التي تقول: "فها أنا أُثير وأجلب على بابل، حشود أُمم عظيمة ( إلى قوله) فتصبح أرض الكلدانيين غنيمة، وكل من يسلبها يُتخم"
وتحرض على تدمير بابل فتقول: "اسمعوا ها جلبة الفارّين الناجين، من ديار بابل ليذيعوا في صهيون، أنباء انتقام الرب إلهنا والثأر لهيكله، استدعوا إلى بابل رماة السهام، (إلى قوله) جازوها بمُقتضى أعمالها، واصنعوا بها كما صنعت بكم"
وتحرض على القتل والسلب، ولنهب مدخرات العراق: "ها سيف على عرّافيها فيصبحون حمقى، وها سيف على مُحاربيها فيمتلئون رعبا. ها سيف على خيلها وعلى مركباتها، وعلى فِرق مُرتزقتها فيصيرون كالنساء، ها سيف على كنوزها فتُنهب"
وتقول توراتهم عن التحالف: "وقد اصطفوا كرجل واحد، لمحاربتك يا بنت بابل" ويقولون: " لذلك اسمعوا ما خطّطه الربّ (وحاشاه عن ذلك) ضدّ بابل ، وما دبّره ضد ديار الكلدانيين، ها صغارهم يُجرّون جرّا، ويُخرّب مساكنهم عليهم. من دوي أصداء سُقوط بابل ترجف الأرض، ويتردّد صراخها بين الأمم ".
وتقول توراتهم عن شعب إسرائيل: (أما نصيب يعقوب فليس مثل هذه الأوثان، بل جابل كل الأشياء. وشعب إسرائيل ميراثه، واسمه الرب القدير، أنت فأس معركتي وآلة حربي، بك أُمزّق الأمم إربا وأُحطّم ممالك، بك أجعل الفرس وفارسها أشلاء، وأهشّم المركبة وراكبها، بك أُحطّم الرجل والمرأة، والشيخ والفتى والشاب والعذراء، بك أسحق الراعي وقطيعه، والحارث وفدّانه والحكّام والولاة ".
وهناك نصوص واضحة تبين دوافع الانتقام: "قد افترسنا نبوخذ نصر ملك بابل، وسحقنا وجعلنا إناءً فارغا، ابتلعنا كتنّين، وملأ جوفه من أطايبنا، ثم لفظنا من فمه ". يقول أهل أورشليم : " ليحُلّ ببابل ما أصابنا، وما أصاب لحومنا من ظلم ". ويقول نص آخر: " كما صرعت بابل قتلى إسرائيل، هكذا يُصرع قتلى بابل في كل الأرض" في كل الأرض وليس فقط في العراق، ولذلك صاروا يطالبون بطرد السفراء من جميع دول العالم.
والخلاصة هل يشك عاقل بعد كل هذه النصوص بدوافع اليهود الدينية لحرب العراق، هذا أولا. ثم هل يشك من له أدنى علم بحقيقة مراكز القوى في أمريكا بدور اليهود الكبير في توجيه السياسة الأمريكية؟
أما بالنسبة للدول العربية، فإنهم قد علقوا بالشرك الذي نصبه أعدائهم لهم، وارتموا للأسف الشديد في أحضان جلاديهم، فدور كثير من الدول العربية في هذه المؤامرة غير يسير، بعلم وبدون علم، برغبة منهم، أو رغما عنهم، وكثير منهم أدى دوره كما رسم له، وأخذ نصيبه (بعضهم نقدا مقدما وبالدولار) !!.

بعض الأساليب الدعائية الأمريكية في الحرب العراقية

لقد شنت أمريكيا وحلفاؤها حربا نفسية شرسة على العراق قبل انطلاق الحملة العسكرية من أهم مظاهرها:
الإعلان المستمر أن العراق يربطه بالقاعدة رابط قوي وأنه يدعم( الإرهاب) في فلسطين ومحاربته ضرورية لأنها تأتي ضمن الحملة الدولية لمحاربة الإرهاب .
التأكيد على أن العراق مازال يملك قدرة على إنتاج أسلحة الدمار الشامل التي يهدد بها الأمن والسلامة في العالم وخاصة جيرانه من عرب ويهود ، لذلك لابد من إنهاء زحف شره على العالم الآمن .
التصريحات المستمرة لقادة المحور الأمريكي حول الحرب فمثلا: كوفي عنان يؤكد على أن الحرب ليست حتمية ، وتوني بلير يعلن أن بريطانيا مستعدة للحرب بدون الرجوع لمجلس الأمن ، وقيادة الحلف الأطلسي توضح أن الانقلاب في المنطقة وشيك … وجاءت هذه التصريحات وغيرها من باب اللعب على وتر الأعصاب وهز النفوس وإضعاف الهمة والمعنويات .
خطاب وزير الخارجية الأمريكي كولن باول أمام مجلس الأمن وما تضمنه من اتهامات ، وافتراءات ومعلومات موظفة نحو الهدف نفسه.
الكشف باستمرار عن نوعية الأسلحة المزمع استخدامها وكذلك حجم الجيوش واعتمادها على السلاح النووي والأقمار الصناعية … في خطوة لإرهاب العالم وإظهار كبرياء أمريكا و قدراتها العسكرية الفائقة …
الكشف في وسائل الإعلام بطرق رسمية و غير رسمية عن السيناريوهات المطروحة والمتوقعة للحرب والتركيز على أن المطلوب هو صدام حسين وحكومته ومقدراتهم الشخصية وقصورهم ومسقط رؤوسهم وليس الشعب العراقي كله وذلك يأتي في سياق التحريض والتفرقة بين القيادة والشعب .
كذلك إعلان الولايات المتحدة وحلفائها أن الحرب قد لا تندلع في حالة تنحي صدام حسين وقبوله النفي الاختياري دون تقديمه للمحاكمة .
التحرك الأوروبي بقيادة بريطانيا فيما عرف برسالة الدول الثمان التي طالبت مجلس الأمن بالتعاون مع أمريكا ضد العراق وهذا لتوضيح أن معاداة العالم للعراق تتزايد .
إصدار الأوامر للرعايا الأمريكان والدبلوماسيين بالحذر ومغادرة دول الجوار المحيطة بالعراق في خطوة تحذيرية وتنبئة بقرب الحرب .
الإعلان المستمر عن مواعيد الضربة ومدتها فتارة منتصف فبراير ، وأخرى آخره، وثالثة لن تتعدى نهاية مارس … ثم هي نزهة أسبوع أو أسابيع ستة على أكثر التقديرات وأن السيطرة ستتم من أول ليلة للضربة .
كل ذلك وغيره من التصرفات والتصريحات والإعلانات يأتي من باب التقديم لتحقيق هزيمة نفسية للعراق ومن يقف معه من أجل الإرهاب والتخويف والتخذيل لتسهيل المهمة وتحقيق ماهو خافي من أهداف بأقل الخسائر .
إستخدام مصطلح "صدام" أو "حزب البعث" : فالإعلام الأمريكي والغربي عامة لا يقول بأنه يحارب "دولة العراق" بل يردد بأنه يحارب "صدّام" أو حكومة "صدام" أو "حزب البعث" وهذا يهدف إلى تقليل تفاعل الجموع القومية و الإسلامية مع العراق لكون المُحارَب لم يزل عدو للإسلام والمسلمين في نظر أكثر الناس نتيجة الاعلام المظلل ..
التركيز على إستخدام ألفاظ كـ "الأكراد" أو "كردستان العراقية" للإيحاء بإقرار الحكومة الأمريكية بحق الأكراد في وطن قومي لإستجلاب الأكراد في صفهم وللتفريق بينهم وبين باقي الشعب العراقي ، وقد رأينا مثل هذا في الحرب الأمريكية على أفغانستان حيث أعلن بوش عن موافقته لقيام "دولة فلسطينية" لكسب الرأي العام الإسلامي (فهل يتعظ بعض الأكراد) ....
الضرب على وتر "الشيعة المضطهدين" في العراق ، أو الأقليات المضطهدة فيها للتفريق بين العراقيين وربما التحريش بينهم ليكونوا كأفغان الشمال الذين وقعوا في الفخ الأمريكي بكل سهولة فأصبحوا كبش فداء القوات الأمريكية الغازية لبلادهم ، وللتقليل من تدخل شيعة إيران في الحرب : حيث أنها أتت لتخليص إخوانهم من الطاغية "صدام" ....
التذكير بماضي "صدام" في الوسائل الإعلامية لكسب الرأي العام القومي الإسلامي خاصة والعالمي عامة ، وهذا يصرف النظر (بعض الشيء) عن تاريخ أمريكا الدموي في جميع أنحاء العالم ..
تكرار أسماء الدول العربية التي تنطلق منها القوات الأمريكية (كالكويت وقطر وغيرهما) لخلق نوع من السخط في الشارع الإسلامي على هاتين الدولتين ومن ثم عزلهما عن باقي جسد الأمة ، وبهذا يسهل إبقائهما كقاعدتين دائمتين للقوات الأمريكية في المنطقة ، ولصرف نظر البعض عن الغزو الامريكي واشغالهم بنقد هذه الدول ، وللإيحاء بأن العالم العربي في صف القضية الأمريكية العادلة (لسماح الدول العربية بانطلاق الطائرات والصواريخ الأمريكية منها)
التركيز على تكرار الأسباب المُعلنة للحرب : كنزع الأسلحة ، وتخليص العالم من "صدام" وغيرها من الأسباب التي قد تصبح في يوم من الأيام من المسلّمات بسبب التكرار . والتركيز على "أسلحة الدمار الشامل العراقية" يصرف النظر عن استخدام أمريكا وبريطانيا لهذه الأسلحة ضد العراقيين (وقد استخدم الجيش الأمريكي القنابل العنقودية في اليوم الثاني من الحرب على العراق) ..
يركز الإعلام الغربي على إظهار صافرات الإنذار الكويتية وتصوير مشاهد من الكويت وهي تتعرض للقصف العراقي ، وذلك لكسب الرأي العام العربي ....
يستخدم الإعلام الغربي بعض المرتدين العرب (كتاب البترودولار) من الكويت وغيرها للدفاع عن هذه الحرب الامريكية ضد العراق في وسائل الإعلام العربية ، فإذا دافع العرب عن الأمريكان فليس لأحد الإعتراض على أمريكا !! وهؤلاء أشبه ما يكونون بـ "كلاب القافلة" التي تنبح حولها ولكن لا ناقة لها في القافلة ولا جمل ....
عمدت القوات الأمريكية بمساندة قوات "طالباني" و "بارزاني" المرتديْن على منع الصحفيين من التواجد في مناطق الأحزاب الإسلامية الكردية في شمال العراق وذلك لمنعهم من نقل ما يدور هناك من قصف أمريكي عنيف وقتل للأكراد المدنيين العُزّل من قبل الأمريكان ، ولو أن الإعلام نقل ذلك لتفككت أواصر الصلة بين بعض الأكراد والأمريكان ولأدرك الأكراد بأن الأمريكان لم يأتوا لتحريرهم من "صدام" ....
يبث الإعلام الغربي صور لأسرى عراقيين ، وتُضخّم التصريحات الأمريكية والبريطانية أعداد الأسرى وتُعلن بين ساعة وأخرى عن استسلام الجنود العراقيين لتبث حالة من اليأس في صفوف الجيش العراقي ، وكذلك تُعلن عن إضطرابات داخلية في الحكومة العراقية أو إشاعات بمقتل "صدام" تهدف من ورائها إلى نشر حالة من الفوضى في صفوف القادة الميدانيين وأفراد الجيش العراقي
تُعلن الحكومة الأمريكية عن سقوط المدن تباعاً في يدها لقتل روح المقاومة في الجيش العراقي ولخلق حالة من الذعر والهلع في صفوف المدنيين العراقيين ....
المراقب للإعلام الأمريكي يرى بأنه لا ينقل الجانب المعماري أو الحضاري للمدن العراقية ، وكل ما ينقله هو ليل العراق المظلم مع المناظر الصحراوية ليُعطي انطباعاً للشعب الأمريكي (الجاهل) بأن حكومته إنما تحارب بلد صحراوي متخلّف ليس فيه جانب حضاري (وهكذا في نقلها من جميع البلاد العربية) ، واستخدمت أمريكا هذه الطريقة في حربها الباردة مع السوفييت التي ما كانت تنقل على شاشاتها إلا صور المسنيين الذين تنتقيهم إنتقاءً ليكونوا أقبح الموجودين ، وتنقل معها أيام موسكو الباردة المظلمة ..
حاولت الحكومات العربية الضرب على وتر العقيدة البعثية عن طريق بعض العلماء المرتزقة لتفريق الصف القومي والإسلامي وصرف الناس عن مساندة العراق بحجة أن حاكمه وحزبه من العلمانيين الكفار (مع أن هؤلاء الحكام ارتكبوا أكثر من ناقض من نواقض الإسلام ،)
بعض اجرائات الحكومة بالرد الاعلامي
تركيز الحكومة العراقية على المعاني القومية والإسلامية في خطاباتها وتصريحاتها لتكسب الرأي العام القومي الإسلامي ، وابتعدت عن التركيز على "البعث" أو على شخص صدام .
التركيز على قومنه و أسلمة القضية ومخاطبة أحفاد صلاح الدين من منطلق القومي وإسلامي شرعي تاريخي ، مع بيان الأسباب الحقيقية للحملة الامريكية على بلاد العرب و الإسلام
قامت الحكومة العراقية إعلان أن الجيش الأمريكي هو المتسبب في هذا القصف بتواجده في الكويت وبناء قواعده فيها ، وأن الشعب الكويتي ليس هو المستهدف في هذا القصف ، وأن الأمريكان يقصفون المدنيين العراقيين من الكويت فيجب الرد عليهم وعلى مواقعهم العسكرية ، وإذا كانت القنابل الأمريكية الذكية تُخطئ أهدافها بين الحين والآخر ، فالقنابل العراقية من باب أولى
ركز الإعلام العراقي بتذكير الناس بما جنته الحكومة الأمريكية على شعوب العالم وفضح تاريخها الأسود ..
قامت الحكومة العراقية بمخاطبة الشعوب العربية والإسلامية وعدم استعداء أي شعب (وخاصة شعوب دول الجزيرة والشام) ، والتفريق بين الشعوب وحكوماتها والتصريح بأن أمريكا أرغمت حكومات هذه الدول على التعاون معها بغير إرادتها ..
قامت الحكومة العراقية بتذكير الناس بتاريخ أمريكا في استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد بعض الدول وكشف استخدام أمريكا وبريطانيا للقنابل "المحرمة دولياً" في حربها الحالية برغم إعلانها أنها بدأت الحرب لتخليص العالم من هذه الأسلحة ، وبهذا يكون للعراق الحق في الدفاع عن نفسه بأسلحة مشابهة !!
فضح ووصفهم المتعاونين مع امريكا بما يليق بهم من الألقاب : كالعملاء المنافقين ، وأذناب الإحتلال المرتدين ، وغيرها من المصطلحات التي برع فيها العراقيون ، ولكن ينبغي أن تكون هذه الألقاب ذات صبغة إسلامية
عملت الحكومة العراقية على توصيل صور ضحايا الأكراد جراء القصف الأمريكي للإعلام المحلي العراقي وللإعلام والعربي والدولي
أحسن العراقيون بإظهار الأسرى الأمريكان على شاشات التلفاز ، ولا ينبغي لهم الإستماع إلى الأمريكان بضرورة معاملة الأسرى وفق معاهدة جنيف ، وإن استخدم الأمريكان سلاح القوانين الدولية فعلى العراقيين تذكير العالم بأسرى جوانتنامو ..
صد هذه الهجمة النفسية بالإعلان عن سقوط أعداد كبيرة من القتلى والأسرى في صفوف الأمريكان والبريطانيين لإرباك هذه القوات ولتهييج الرأي العام في هاتين الدولتين
قامت الحكومة العراقية بإبراز الجانب المدني والجمالي من الآثار والعمران في المدن العراقية على شاشات التلفاز ليفهم الشعب الأمريكي بأن هذه المدن وهذه البلاد عامرة زاخرة لها تاريخ عريق ..
كما قام العراق ومعارضو الحرب بشن حملة نفسية معاكسة بغرض إحباط الحملة ضده أو على الأقل الحد من آثارها ، من أهم مظاهرها:
التلويح المستمر بحركة الوعي المتنامية في الشارع العربي والإسلامي والدولي، وزيادة المعاداة للسياسات والإدارة الأمريكية
التوضيح والتحذير بأن العراق هو بداية وليس نهاية ومقدمة لاستهداف دول المنطقة كلها وأن خسائر اقتصادية كبيرة وضخمة ستلحق بالعرب.
النفي الصريح والسريع لكل افتراءات أمريكا وتوضيح أهدافها الحقيقية والخفية من الحرب وخاصة البترول وصياغة المنطقة لصالح( إسرائيل)
الربط الذكي بين الرغبة بالحرب ومصالح دولة( إسرائيل) مستغلا مشاعر الغضب ضدها على ما تقوم به ضد الفلسطينيين .
التركيز على المضمون العقائدي والديني في خطابات وتصريحات قادة العراق وبأن المستهدف هو الإسلام والأمة والكرامة العربية .
توضيح أن الحرب سوف تزيد الهجمات ( الإرهابية ) في العالم وستؤدي إلى كارثة بحق المنطقة بأسرها .
تحذير بعض محامي انجلترا لتوني بلير بأنه سيكون مجرم حرب في حالة مشاركته الولايات المتحدة الحرب ضد العراق .
ظهور صدام لأول مرة منذ فترة طويلة في مقابلة متلفزة مخاطبا الشعوب والرؤساء وموضحا الكثير من الحقائق المفندة للمزاعم الأمريكية .
الاستغلال الحسن لحركة المعارضة في مجلس الأمن وخاصة فرنسا وألمانيا وروسيا والصين .
تعبئة الشارع العراقي وتسليحه بكافة شرائحه وقطاعاته ، والإعلان أن العراق لن تكون نزهة " لهولاكو " العصر ( أمريكا ) وأنها ستكون مقبرة للمعتدين، وأن العراقيين قادرون أن يقتلوا مليون أمريكي في الحرب .
التعاون الواضح مع مفتشي مجلس الأمن وحل الإشكاليات معهم باستمرار حسب الأوضاع وتسليمهم وثائق وأوراق مهمة وتمكينهم من استجواب خبراء دون طرف ثالث ….
ولحسن الحظ أن الإدارة الأمريكية لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب إعلامياً بحيث تستطيع التأثير على الرأي العام العالمي في الحروب (وإن كانت تملك أضخم القنوات الإعلامية في العالم) ، فقد رأينا في حرب الصومال كيف أنها حضّرت له إعلامياً لأكثر من سنتين ينقل إعلامها المجاعات والصور لأطفال الصومال ، ثم بدأت عملية احتلال الصومال تحت غطاء المساعدات الإنسانية ولكن سرعان ما انكشف زيف إدعاءاتها للعالم بعد أن اصطدمت قواتها بالمجاهدين الصوماليين الذين برهنوا للدنيا بأن الأمريكان غير مرغوب بهم من قبل سكان الصومال ، فقد زعمت أنها أتت لمساعدة الصوماليين وإذا بها تقتلهم .. ويجب أن ننبه بأن الحكومة الأمريكية قد تُسلم الحرب الإعلامية للبريطانيين الذين هم من أخبث الناس في هذا المجال لخبرتهم الطويلة ومعرفتهم الكبيرة بالنفسية العربية والإسلامية ..
ونستطيع القول أن العراق نجح في تسجيل إنجازات واضحة على صعيد الحرب الإعلامية أهمها:

1- ملاحقة الدعاية الأمريكية وتفنيدها من خلال الأدلة والبراهين والتصوير وعقد المؤتمرات الصحفية.

2 - إبراز بشاعة العدوان من خلال تصوير المجازر ضد المدنيين في البصرة والموصل وبغداد…ومن خلال تصوير الأماكن المدنية التي تعرضت للقصف.

3 - توضيح شراسة المقاومة في كافة الأماكن من خلال الصوت والصورة لأسرى وقتلى وجرحى للجيش المعتدي ،وآلياته المدمرة من طائرات ودبابات…

أسباب هذه الإنجازات

وأرى أن هناك ثمة أمور ساهمت في رفع معنويات الشعب والجيش العراقي أهمها :

4 - حركة الاستنكار المستمرة لبعض دول العالم الرئيسة مثل فرنسا والصين وروسيا وألمانيا…

5تصاعد الاحتجاج الجماهيري وتحولها إلى مصادمات خاصة الدول العربية.

6 - تنامي المعارضة داخل دول التحالف نفسها .

7 - شعور العراقيين بالظلم وإحساسهم بالهيمنة والعربدة للمعتدين.

كيف يتعامل الشارع القومي والاسلامي مع هذه الحرب الإعلامية:

الحرب الإعلامية – كما بينا – لها أهمية كبيرة لا يمكن تجاهلها من الطرفين ، فكيف نتلقى هذه الأخبار وهذه التصريحات !! وكيف نواجه هذه الحرب الإعلامية !!
لقد فقدت أجهزة الإعلام الغربية مصداقيتها فلم تعد نزيهة (كما كان يظن البعض) بل لم تكن نزيهة في يوم من الأيام ، وإنما كان الإعلام الغربي أفضل من الإعلام العربي الرسمي فقط ، وهذا من قبيل أفضل الموجود ، أما الآن فقد أصبحت الأخبار تُنقل من وسائل متعددة كثيرة يصعب التعتيم عليها أو كتمانها ، فلا ينبغي التعويل على الأخبار المنقولة في وسائل الإعلام الغربية ولا ينبغي نشرها بين الناس إلا في نطاق ضيق يخدم المصلحة الإسلامية العامة ..
لا يمكن التأثير إعلامياً على من يمتلك جملة من الإعتقادات الثابتة الراسخة ، فلا بد من غرس عقيدة الولاء والبراء ، والحب في الله والبغض في الله ، وحقيقة وحدة الأمة العربية والإسلامية.
لا بد من الحذر الشديد من المنافقين والمرجفين في صفوفنا ، فليس كل من تكلم بلغتنا ولبس لباسنا وظهر بمظهرنا يكون على قلب أتقى رجل منا !! فالقنوات الإعلامية الرسمية في الدول العربية ليس لها رسالة إلا تحقيق مصالح حكوماتها ، وهناك الكثير من العرب (الذين باعوا دينهم بدنيا حكامهم) وظيفتهم تثبيط الامة وتخذيلهم والتحريش بينهم ، وسترون أغلب هذا في الإذاعات الكويتية التي تمكن منها الذين لا يمثلون الشعب الكويتي وإن زعموا ما زعموا. كما أن معظم القنوات العربية يسيطر عليها الذين يوالون الأمريكان من منطلق عقدي ..
ينبغي الحذر من الفُرقة والشتات الفكري في النوازل ، فمع كل نازلة تنتشر المواضيع التي تُطرح على الساحة لإشغال العامة والرأي العام الإسلامي: الإنشغال بالطعن في الدين ، إشغال الناس بالخلاف بين السنة والشيعة ، إستحداث قضايا مدنية ذات بعد فقهي (كما حدث في حرب أفغانستان من قضايا : كسواقة المرأة ، وبطاقة الإئتمان ، والتأمين ... )
يجب أن نتعلم فن تحويل السلبيات إلى إيجابيات : فمن مات من المسلمين في الحرب فهو شهيد مات ميتة يتمناها كل مسلم فنحن لا نحزن لموته ، ومن مات من الكفار فهو مخلّد في النار . وإذا سقطت مدينة في يد الأمريكان فهي فرصة للمجاهدين لمواجهتهم في حرب أرضية . وإذا قصفت القوات الأمريكية المدن فإننا نستثمر هذا لزيادة بث الكراهية لهم والحقد عليهم بين الجموع المسلمة . فكل سلبية نستطيع تحويلها إلى إيجابية تصب في مصلحة الأمة
إن جهاد اللسان (الذي هو الجهاد الإعلامي الآن) من أهم أنواع الجهاد الذي يتطلب دراية وخبرة ، وهو من الجهاد المأمور به شرعاً "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" ، وقال عليه الصلاة والسلام "إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه" ، ولولا أهمية وخطورة هذا الجانب الجهادي لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ولما حث عليه .. فعلينا معرفة الأساليب الحديثة لهذا الجهاد البياني كمعرفتنا بأساليب استخدام الأسلحة الحديثة ، وينبغي لنا التنبه ومحاولة اتقاء تأثير الحرب اللسانية التي يخوضها أعدائنا ضدنا حتى لا نقع فريسة الهزيمة النفسية ..
بعد الحرب
في حرب العراق لاحظ الكثير منا أن هنالك علاقة طردية بين ما تبناه الإعلام وروج له عن الإعمال المقاومة وما نشر من أخبار تفصيلية عنها بالطريقة التي إعتمدها بعض المراسلين و المعلقين العرب من جهة و إزدياد هذه عمليات المقاومة من جهة أخرى.
الإعلام و الدعاية عمليات المقاومة له في أكثر الأحيان أهمية تزيد على العمل الإرهابي نفسه. فالإعلام و الدعاية تضمن عمليات المقاومة ديمومته كما هي تضمن استمرار المساعدات المالية له و تجنيد مقاتلين جدد يواصلون عمله.

الحرب الاعلامية بعد الاحتلال

يقول السيد ديفد كالولا في كتابه "حرب مكافحة التمرد – النظرية و التطبيق“ والذي يعتبر من أفضل الكتب التي بحثت في الموضوع حرب مكافحة التمرد، يقول حول نضرة المتمردين لأهمية الإعلام :
“ الهجوم على دورية مسلحة (للعدو) ربما شكل نجاحاً عسكرياً ، لكنه إذا لم يضمن دعم السكان و يحولهم ضد الأمريكان لا يعتبر نصر كاملا“.
وحتى المكاسب السياسية و المالية التي حققتها في الآونة الأخيرة بعض الوجوه السياسية للمقاومة و القوى العراقية الوطنية ، إن هذه المكاسب كانت مقرونة بنشاط هذه القوى الإعلامي المتناسق مع الأعمال المقاومة. فالأعمال المقاومة دون تغطية إعلامية لها تعتبر بمفهوم حرب العصابات أعمال فاشلة. وقد إزدادت قوة المقاومة عندما وفرت له بعض الفصائل العراقية المقاومة التغطية السياسية والإعلامية
.
لم يحضى موضوع العلاقة بين المقاومة و الإعلام إلا باهتمام القليل من الباحثين، رغم أن المتخصصون بدراسة الإعلام يتفقون على أن هنالك علاقة متبادلة بينهما.
لكن رغم ذلك فهنالك بعض البحوث و المساهمات الحديثة التي حاولت معالجة موضوع العلاقة المتبادلة هذه معالجة علمية موضوعية، إستخدمت براهين رياضية معتمدة على إحصائيات ودراسة ميدانية طويلة الأمد.
المشكلة التي تواجهنا بهذا الخصوص هوعدم توفر دراسات و بحوث كافية يمكن إعتمادها في الكتابة عن هذا الموضوع. فأنت يمكنك أن تجد مراجع لا تحصى و لا تعد عن الحرب النظامية التقليدية و كذلك عن إستخدام الإعلام في مثل هكذا حرب كجهاز من أجهزتها. أما عن حرب العصابات أو التمرد أو في حروب التحرر ناهيك عن حرب المقاومة فمن الصعب أن تجد مراجع موضوعية جيدة حول هذا النوع من الحروب.
فالحرب النظامية عمرها آلاف السنين ، أما حروب التحرر و التمرد و حرب المقاومة التي تتخذ أسلوب حرب العصابات وسيلة للقتال فلا يزيد عمرها عن المئة عام.
إستخدام الإعلام في حرب المقاومة على العراق جاء مفاجئ و بقوة لم تكن متوقعة حتى من قبل قادة الجيش الأمريكي. ولا نبالغ إذا قلنا أن الإعلام العربي الذي يدعم المقاومة قد أربك الجيش الأمريكي بشكل ليس له مثيل وسبب له خسارات كبيرة سياسية و عسكرية.
الإعلام العراقي العميل لم يكن له أي دور في التصدي لإعلام المقاومة فهو بمفهوم حرب الإعلام لازال يمكن إعتباره مٌقعد و أعزل. المثل الذي يقول:“ يعمل الجاهل بنفسه ما لا يعمل العدو بعدوه " لاينطبق على أية حالة كإنطباقه على حال بعض أجهزة الإعلام العراقية، التي تتصور أنها تقارع المقاومة ، في الوقت الذي تقف فيه بلا وعي و بالاوعي الى جانب الإعلام المقاوم.
العلاقة بين الإعلام و المقاومة ليست بالضرورة علاقة مباشرة ، كما هي مؤسسة الجزيرة القطرية المتهمة بدعم المقاومة في العراق و الترويج لها ، فهذه العلاقة قد تكون علاقة غير مباشرة أو علاقة مصالح مشتركة ، كما هو حال بعض المؤسسات الإعلامية العالمية كمؤسسة البي بي سي. البريطانية أو بعض المؤسسات الإعلامية العالمية الأخرى.
وفي الوقت نفسه اشتركت قناة العربية بالجانب الاخر المعادي عبر الانجرار للمشروع الإعلامي الأمريكي والتطبيل له بطريقة تشويه صورة الحكومة العراقية الوطنية والتهجم على شخص وعائلة الشهيد صدام حسين وممكن فهم هذا التوجه اذا عرفنا من هي اداره هذه القناة السعودي عبد الرحمن الراشد مدعوم من الامير طلال حليف امريكا و يرتبط بصداقات مع اسرائيليين في لندن و ساهم في الإشراف على خطاب الشرقية لسعد البزاز قبل ان ينتقل عبد الرحمن الراقص من تحرير الشرق الاوسط الى الاشراف على قناة العربية
والراشد مع عثمان العمير السعودي الاخر صاحب موقع ايلاف يشكلون الواجهة العربية للخطاب الاسرائيلي في الاعلام العربي
و بهذا الخصوص أصدر معهد البحوث التجريبة في الإقتصاد التابع لجامعة زيورخ- في سويسرا عام 2006 بحث بعنوان : "الدم و الحبر! لعبة المصلحة المشتركة بين (الإرهابيين ) و الإعلام".
قاما به الأستاذ برونو فري و الأستاذ دومينيك رونر.
لقد بين هذين العالمين في بحوثهما أن الطرفين الإعلام المقاوم يستفيدون من الأعمال المقاومة. فالمقاومون يحصلون على دعاية مجانية لأعمالهم و الإعلام يستفيد مالياً لأن التقارير التي تنشر عن الإعمال الجهادية تزيد من قراء الجريدة وعدد مشاهدي التلفزيون وهذا بدوره مما يزيد مبيعات الجريدة و قيمة الدعاية المنشورة عليها وزيادة قيمة الدعاية التي يبثها التلفزيون.
و الجدير بالذكر أنهما وضعا لدراسة هذا الأمر معادلات رياضية بالعوامل المؤثرة على نشر الخبر مثل الشهرة و السلطة و المال و التأثير الفكري. هذه العوامل هي عبارة عن أهداف يراد الوصول إليها من وراء العمل الإعلامي أو العمل المقاوم على حداٍ سواء. وقد تبين لهم أن الطرفين، الإعلاميون و المجاهدون لهم نفس هذه الأهداف. فالإعلام يريد الشهرة و المقاومون يريدون انزال اكبر خلل نفسي بقوات العدو و الإعلام يريد السلطة على أكبر عدد ممكن من القراء أو المشاهدين وكذلك المقاوم يريد السيطرة على الحرب النفسية وتوجيه رسالته الى أكبر عدد ممكن من الناس.
ملاحظة: اغفلت عمدا الكثير من تفاصيل الحرب الاعلامية بين الاحتلال والمقاومة لان الحرب مازالت مستمرة

ومازالت الحرب الاعلامية بين المقاومة والاحتلال مستمرة

تحيه الى الأستاذ الدكتور محمد سعيد الصحاف احد أساطين الحرب الإعلامية في العصر الحديث

ليست هناك تعليقات: