الجمعة، 18 ديسمبر 2009

الاحزاب الدينية ... البويهيين والصفويين الجزء الرابع

نموذج الدولة الصفوية والدولة البويهية من دول الاسلام السياسي
قد يتسائل احدهم ما فائدة ان نكتب عن دول وحركات حدثت في التاريخ العربي وما هو الرابط بينها وبين ما نعيشه اليوم ..ان ما نعيشه اليوم هو امتداد لتلك الايام فالانسان هو ليس ابن اليوم كما يتصور بل هو ما كان بالامس اوصله لما هو عليه اليوم وهذا الكلام ينطبق على الحركات السياسية فهي نتاج لصراعات وارهاصات حدثت بالامس لتلقي ظلالها ونتائجها على عالمنا اليوم .. ان ما نراه اليوم في العراق المحتل من تغلغل ونفوذ للحركات الاسلامية السياسية او المتلحفة بالاسلام الطائفي تحديدا هي نتاج لتلك الامم والدول والحركات التي حدثت في الماضي سواء كان القريب او البعيد ففهم واضح وصريح لما حصل يوصلنا الى استنتاج ما سيحصل ومن هنا وددت ان اناقش في هذا الجزء دولتين من الدولت التي انتجها الاسلام السياسي وتحديدا دولتين شيعييتين وكيف انهما استخدما فكر ة التشيع لاجل السيطرة والتحكم بجزء مهم من العالم الاسلامي ... وهما الدولة البويهية والدولة الصفوية .
اختلف الكثير من المؤرخين في أصل نسب البويهيين، فيذكر ابن خلكان، أن الصابي ذكر في كتابه (التاجي) إنهم يرجعون في نسبهم إلى بهرام جور بن يزدجر الملك الساساني، أما ابن الأثير فيرى إن نسبتهم إلى قوم الديلم بسبب طول مقامهم ببلادهم، في حين إن الأصفهاني الذي هو أكثر المؤرخين معرفة بأصول ملوك الفرس، فرغم إنه يجعل للبويهيين أصلاً يعود إلى الملك الساساني بهرام غور، إلا أنه يعود ويذكر إن علي بن بويه كان زعيماً لإحدى قبائل الديلم تسمى شيرذيل أوندن، تقيم في قرية كياكاليش في ديلمان.
البويهيون على الأرجح ينتسبون إلى الديلم سكان المنطقة الجبلية في مقاطعة جيلان من بلاد فارس (إيران)، وكان من بين من خرج مع ملك الديلم ناصر الدين الأطروش، هو علي بن بويه، وعندما تولى الحسن بن القاسم الداعي، خلافة الناصر، أرسل ولديه أحمد وجعفر لمقاتلة السامانيين فكان من بين الذين برزوا في قتال السامانيين (أبو شجاع بويه بن فناخسروا)، وكان لأبي شجاع ثلاثة أولاد قامت على أكتافهم فيما بعد الدولة البهويهية وهم: علي – الحسن – أحمد.
حكم آل بويه رقعة من العالم الإسلامي، وأقاموا دولة كبيرة عرفت بـ(الدولة البويهية) وضمت بلاد فارس والعراق، ابتدأت من عام 321هـ في فارس و334هـ في العراق، وانتهى حكمهم بسيطرة السلاجقة على ممتلكاتهم ودخولهم بغداد سنة 447هـ.
كانت بداية التسلط البويهي، عندما قلد مرداويج بن زيار مؤسس الدولة الزيارية في جرجان وطبرستان علي بن بابويه ناحية الكرج سنة320هـ/932م، ولقد أتاحت له صفاته كقائد يسعى للملك والسيطرة بأي ثمن وبأية وسيلة لأن يؤسس دولته المستقلة العظيمة.
من الكرج أستولى علي بن بويه وأخواه على أصفهان، ثم قصد فارس فسقطت مدنها الواحدة تلو الأخرى بين يديه، وتم له الاستيلاء عليها عام 322هـ/933م، ومن فارس التي جعلها قاعدة ملكة، تابع علي بن بويه وأخواه فتوحاتهم، ففي هذه الأثناء كان الأخ الثاني الحسن قد إحتل تقريباً كل إقليم الجبال، عقب مقتل مرداويج سنة 323هـ، فيما أخذ الأخ الثالث أحمد في غزو كرمان، وتم له فتحها سنة 324هـ/935م، ثم اتجه نحو خوزستان مستفيداً من صراع ابن رائق والبريدي، الأمر الذي فتح أمامه الطريق إلى بغداد بسهولة، خاصة بعد أن تمكن أحمد البويهي من السيطرة على الأهواز بصورة نهائية سنة 326هـ/937م.
ففي ظل تدهور الوضع ومساوئ الحكم العباسي واستياء طبقات العامة وتمردهم عليه، في هذه الأثناء زحف أحمد البويهي من الأهواز قاصدا بغداد، فاضطربت المدينة واختفى الخليفة العباسي المستكفي وابن شيرادار، وانسحب الجند الأتراك إلى الموصل، وبعد مفاوضات أجراها أبو محمد المهلبي صاحب أحمد البويهي، دخل الأخير إلى بغداد في جمادى الثاني 334هـ/945م حيث لقي الخليفة العباسي المستكفي وتبايعا، ولقبه الخليفة بـ(معز الدولة)، ولقب أخاه الأكبر علي بـ(عماد الدولة وأخاه الثاني الحسن بـ(ركن الدولة)، ومنذ هذا التاريخ وقعت الخلافة العباسية تحت سيطرة الأسرة البويهية، ولغاية تاريخ دخول السلاجقة بغداد وسيطرتهم بدورهم على الخلافة سنة447.
أن ظروفاً وأسباباً معينة لعبت دوراً أساسياً في تمكينه من تثبيت حكمه في فارس، ولاحقاً فتحت أمامه أبواب بغداد على مصراعيها، ومن هذه الأسباب:
1 - تدهور أحوال الخلافة العباسية:
تغلغل البويهيين في مرحلة من أسوأ المراحل التي مرت بها الخلافة العباسية، ففي ظل هذه الأحوال، وخاصة بعد فشل ولاة الخليفة كياقوت وابنية في القضاء على البويهيين.
2 - تضعضع الدولة الزيارية:
كان مرداويج بن زيار صاحب جرجان وطبرستان، قد بات القوة الأساسية في إيران، والآخذة بالتوسع تدريجياً على حساب أراضي الخلافة، ومن هذه الدولة خرج البويهيون ليأسسوا إمارتهم المستقلة منذ سنة 322هـ/933م، فان لابد من أن يشكل كل منهما خطراً على الآخر، ذلك إنهما ينتميان لنفس المنطلقة (الديلم).
وبالفعل شكلت الدولة الزيارية بقيادة مرداويج خطراً حقيقياً على المشروع السياسي لعلي بن بويه الذي حاول جهد إمكانه مداهنة مرداويج بأساليب شتى لكي يمنع المواجهة العسكرية معه أو يؤجلها، وكأنه كان يدرك إن أية مواجهة حاسمة مع مرداويج، كفيلة بالقضاء عليه، لذلك ارتضى أن يخطب له في فارس، وأن يضع أخاه الحسن رهينة لديه، أما مرداويج فقد ارتضى هذه المصالحة وفي نيته مهاجمة علي بن بويه في العام التالي. إلا أن مقتل مرداويج المفاجئ وتضعضع قوة خلفائه، أعطى للبويهيين فرصة كبيرة للانطلاق في ترسيخ وتوسيع رقعة سيطرتهم.
موقف البويهيين من الخلافة:
لم يقع علي بن بويه في ذلك المطب الصعب الذي وقع فيه الكثير من الحركات الكبرى (إعلان العداء والمواجهة)، والذي كان أحد أسباب فشلها والقضاء عليها، على إن الخلافة العباسية ما كانت لتتساهل حتى في أقصى مراحل ضعفها مع الذين يظهرون نواياهم في القضاء عليها، وكما حصل لمشاريع بابك أو مزيار، القرامطة والصفاريين، واستقرار أمر الطاهريين والسامانيين ومن ثم البويهيين.
كان أول ما فعله علي بن بويه إثر استيلائه على بلاد فارس الحصول على اعتراف الخليفة به، أي تأمين الغطاء الشرعي لسلطته، وإقراره بسلطة الخلافة الإسمية على إمارته، وعندما راودت معز الدولة (أحمد البويهي) إثر دخوله بغداد، فكرة الإطاحة بالخلافة العباسية، سرعان ما نهاه عنها بشدة وزيره ورجال دولته، مخافة أن يؤدي ذلك إلى زوال الدولة البويهية نفسها. وقد حرص البويهيون على إظهار كل تعظيم وتقدير وطاعة للخليفة العباسي، في المناسبات العامة، وأمام مواطنيهم، فيما هم في الحقيقة قد انتزعوا منه كل صلاحياته.
التغييرات التي نتجت عن استيلاء البويهيين على العراق
1- منع الخليفة العباسي من التصرف بأموال الدولة، وتحديد راتب معين له، وكان استيلاء أمير الأمراء على موارد بيت المال (سابقاً) لعهد البويهيين، فعلى سبيل المثال خصص معز الدولة البويهي للخليفة العباسي المستكفي بالله (كل يوم خمسة آلاف درهم)، وبعد خلع المستكفي خفضه إلى ألفي درهم يومياً، كماإن الضياع السلطانية الخاصة بالخليفة لم تسلم من سيطرة البويهيين عليها.
2- إنتقال السلطة إلى الوزراء وكتاب الأمير البويهي دون وزراء الخليفة وكتابه.
3- إلزام الخليفة بزيارة الأمراء البويهيين في بعض المناسبات خلافاً للقاعدة المتبعة من قبل.
4- مشاركة الأمراء البويهيين في بعض الامتيازات الخاصة بالخلفاء (رغم معارضة الخلفاء لذلك)، فمثلاً:
ا - راح يذكر إسم الأمير بعد اسم الخليفة في صلاة الجمعة في العاصمة، وضرب الطبول على أبوابهم خلال أوقات الصلاة، وهذين الامتيازين بالذات لم يفعله الخلفاء لأي أمير من الأمراء قبل العهد البويهي.
ب- طلب الأمراء البويهيون في أن تضرب ألقابهم وأسمائهم على العملة النقدية، وبالفعل فمثلاً الخليفة المستكفي أمر أن تضرب ألقابهم وكناهم على الدنانير والدراهم.
ج- عدم إشراك الخلفاء والاستنارة برأيهم في قضايا ذات علاقة بسيادة الخليفة، فمثلاً إن الأمراء البويهيون كانوا أحياناً يعقدون معاهدات صلح دون علم الخليفة أو توقيعه على تلك المعاهدات.
البويهيون والحالة الدينية
كان الإسلام قد عم فارس، وثبت أقدامه منذ زمن بعيد، وكان أهل السنة هم الأكثرية، فيما كان الشيعة أقلية صغيرة بفارس انحصرت أماكن تواجدهم على ساحل الخليج المقابل لمناطق الجزيرة العربية التي كانت إحدى مراكز الحركات الشيعية، وخلال الحكم البويهي لم يطرأ أي تغيير على انتماءات السكان الدينية رغم تشييع الأسرة البويهية الحاكمة، إذ ظلت فارس مقاطعة سنية.
ويبدو أن أنصار المذهب الشيعي انحصروا في فئة رجال الفكر والعلم، كذلك كانت حالة المعتزلة الذين عادوا للانتعاش خلال الحكم البويهي، وتولى الكثير منهم مراكز مهمة في الدولة.
إن البويهيين لم يقيموا دولة شيعية انحصارية، إذ لم يفرضوا مذهبهم (الشيعي) كمذهب رسمي منحصر، ولم يدفعوا السكان إلى الالتزام به، وأصلاً لم يكن هذا الأمر على الاطلاق أحد أهدافهم، نعم كان المكسب الأساسي للمذهب الإثني عشري، من وجود البويهيين في السلطة، هو حريتهم في التحرك والعمل بصورة علنية، ووثوقهم بوجود سلطة تحميهم وتدافع عنهم. لكن سياسة البويهيين في هذا المجال في بغداد وخاصة أيام معز الدولة، كانت نقيض ما سبق، وهذا يعود بالأساس إلى اختلاف وضع كل من العراق وفارس السياسي والاجتماعي بالنسبة للبويهيين، إذ كان العراق وهو المركز الأول للتشييع مركز الخلافة العباسية السنية، مما جعله مركز الصراعات الحادة بين مختلف الأطراف الداخلية والمحيطة به، فقد كان من الصعب الإمساك بالسلطة في بغداد لفترة طويلة، فكيف هي الحال إذن إذا كانت هذه السلطة غريبة عن بغداد، ومن غير المذهب السني، كما هل حال البويهيين، هذا إلى جانب كون بغداد مركز صراع لجميع الحركات الروحية في مملكة الإسلام، مع وجود أكبر حزبين كانا بها في القرن الرابع الهجري هما الحزبان المتشددان في التمسك بمذهبهما وهما الحنابلة والشيعة، والأخير يمثلون الأكثرية السكانية للعراق عامة.
الشيء الذي تمسك به الخلفاء العباسيون، ولم يسمحوا بإعطاءه أو تقليده للأمراء البويهيين هو قضاء القضاة، كونه يعد اكبر منصب ديني بعد الخلافة، ولذا فقد حرم منه رجال وقادة الشيعة، على اعتبار أن ذلك يؤدي إلى إضعاف مركز الخليفة الديني، وتجريده من السيطرة على أكبر جهاز له أهميته في نزاع الخليفة مع الأمير البويهي (الشيعي) من أجل استعادة السلطة الزمنية منه.
والأمر اللافت للانتباه هو إن البويهيين رغم كونهم من الشيعة إلا أنهم فشلوا في إكساب ثقة وتعاون الأمراء الشيعة داخل البلاد العراقية، لأن البويهيين، كما يظهر في تعاملهم مع الأمراء الشيعة، مثال عمران بن شاهين وبنو مزيد في الحبة وبنو حمدان في الموصل وحلب، عن أي حاكم سني في بغداد، ذلك لأنهم كانوا يجعلون الاعتبارات السياسية فوق الاعتبارات المذهبية.
أما أبرز أسباب انهيار الحكم البويهي وسقوط الدولة البويهية :
1- خضوع مقاطعات المملكة البويهية (فارس والعراق) لنظام الاقطاع العسكري وانعكاس أضراره على مجمل قطاعات ونشاطات المجتمع، وخاصة النشاط الاقتصادي. وفي ظل سيطرة طبقة العسكر نشأت إمارة الأمراء في العراق، وبالتالي انتقال الإدارة المدنية للبلاد إلى الإدارة العسكرية، وتحديداً أمير الأمراء وقواده العسكريين.
2- تزايد ظاهرة الصراعات والانقسامات داخل كتل وأجهزة الدولة البويهية، وهذا سبب تدهور الوضع الأمني بشكل عام، وانتشار مظاهر الفساد والسرقة والرشوة وجرائم القتل.
3- نجاح الفاطميين في سنة 391هـ/100م من تحويل تجارة المحيط الهندي، من الخليج إلى البحر الأحمر، وإلحاق الضرر الاقتصادي والتجار الفادح باقتصاد الدولة البويهية.
4- سيطرة الغزنويين على خطوط المواصلات البرية المؤدية إلى الهند والصين، وهذا الأمر اضعف التجارة البرية لبلاد فارس.
5- التهديد العسكري والحربي الذي تمثل بالسلاجقة، وحالة الذعر والفوضى التي عمت إيران نتيجة التقدم السلجوقي، ومن ثم استيلائهم على كل مناطق المملكة البويهية، ليضيق الخناق على فارس التي كانت تعيش أسوأ لحظاتها مع أسوأ أمراءها (فلاستون)، الذي لم يستطع أن يقف بوجه إحدى قبائل الأكراد المحلية (شبنكارة) التي نشرت الفوضى والدمار بأرجاء فارس، ثم أطاحت بـ فلاستون، ونصب رئيسها فضلويه، أصغر أخوة فلاستون أميراً، فيما هو الحاكم الفعلي لفارس.
6- سوء التصرف بخزانة الدولة وعائداتها المالية وما يتصل بالنفقات، كما صارت أموال النواحي والولايات تحمل إلى خزائن الأمراء فيأمرون وينهون فيها، وفي الوقت ساد فيه الاضطراب على الحالتين المالية والإدارية، فإن الضرائب هي الأخرى كانت عاملاً إضافياً زاد في سوء الأحوال
اضافات او بدع الدولة البويهية للتشيع :
ابتدعت الدولة البويهية كثير من البدع بالاسلام فمنها عيد الغدير الذي لم يكن الشيعة يحتفلون به قبل الدولة البويهية فقد اعتبر البويهيين عيد الغدير اهم من الاعياد الاخرى في الاسلام وكانوا يحتفلون به ايما احتفال ويوزع امرائهم الذهب والنقود على الناس وتسير به مواكب الزينية لهم
وهم او من سن الزيارة سيرا على الاقدام فقد كان امرائهم وحاشياتهم يسيرون حفاة الى مرقد الامام الحسين في محرم وهذه بدعة من البدع الكثيرة
وكذلك اضافت مواكب العزاء او ما يسمى بالمواكب الحسينية وهي اول من ادخل الزنجيل والقامة هذه المواكب بل كانوا حتى يمشون على الجمر في ايام عاشوراء ... ومن الواضح جدا ان ما موجود في المواكب الحسينية والذي هو جزء مهم من الموكب ما يسمى بالعلم زنكي وهو راية احد امراء البويهيين والتي تستخدم الى الان في المواكب في العراق وهذا العلم كل رموزة هي فارسية فمن الطاووس الذي هو رمز للدولة الساسانية الى ريش الطاووس وكذلك مجسم التنين والاسد وهذه كلها رموز للدولة الفارسية وليست رموز عربية
فقد كانت رايات العرب تحمل على الرمح اما رايات الفرس فقد كان يحملها مجموعة من الرجال لانها ثقيلة لكثرة الرموز فيها وخير مثال هي علم درفش او راية درفش التي استولى عليها العرب في معركة القادسية والتي كانت مصنوعة من الذهب والفضة والجواهر


الدولة الصفوية ..
استوطنت إيران قبل عهد الصفويين قبيلتان من قبائل التركمان هما قراقويونلو أي أصحاب الخراف السوداء ، وآق قويونلو أي أصحاب الخراف البيضاء .
وكانت الفوضى تسود إيران في ذلك العصر حيث القتال مستمر بين القبيلتين ، وكان هذا بعد أن تجزأت إمبراطورية التيموريين بعد وفاة تيمور لنك مما زاد الفوضى في المنطقة .
نشأة الدولة الصفوية
مؤسس الدولة الصفوية الذي أقام كيانها وأرسى قواعدها وبنيانها وفرض فيها المذهب الشيعي بالقوة وأقام دولة ذات قوة وشوكة وحدود هو الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي.
ويُنسب الصفويون إلى صفي الدين الأردبيلي - الذي ولد عام ( 650هـ ) - وهو الجد الخامس للشاه إسماعيل ، وقد كانت نشأته نشأه صوفية حيث كان صاحب طريقة وهذا ما ساعد في التفاف الكثير من المريدين حوله ، ومن ثم انتشار دعوته وكثرة أنصاره .
وبعد وفاته خلفه في رئاسة أتباعه ابنه صدر الدين موسى الذي مشى على طريقة أبيه ، ثم انتقل الأمر إلى ابنه صدر الدين خواجة علي سياهبوش .
وقد ساعدت الظروف السيئة التي حلت بإيران على أيدي التيموريين في التفاف المريدين حوله وازديادهم وكانت علاقته بتيمور لنك علاقة جيدة وقوية .
ويعتبر صدر الدين أول من اعتنق المذهب الشيعي من الأسرة الصفوية ودعا إليه ، وهذا يعتبر نقطة تحول مسار هذه الأسرة التي كانت تدعي نسبها إلى الحسين بن علي بن أبي طالب وبعد وفاة خواجة علي سياهبوش خلفه ابنه شيخ شاه ، ومشى على خطاه .
بعد وفاته خلفه ابنه السلطان جنيد ، وفي زمنه اكتسب مريدوه قدرة على الحركة حيث إنهم اتجهوا بأعداد كبيرة إلى مقر الأسرة وأحاطوا بالسلطان جنيد الذي بدأ يكشف عن رغبته في الملك تدريجياً وهذا ثاني أخطر تحول مسار الأسرة الصفوية بعد التشيع ، وكانوا بادعائهم الانتساب إلى آل البيت قد بدأوا يطالبون بالتاج والعرش إثباتاً لحقهم المزعوم .
وتبدلت الدعايات المذهبية إلى مطالب سياسية وبدأ السلطان جنيد بإقامة حكم مستقل في أردبيل وأخذ يتقوى ويعد الجيوش لغزو شروان .
وللتوسع وبسط السيطرة ، دخل في معركة مع حاكمها ولكنه هزمه وقتله ، ورغم الهزيمة التي حلت بالأسرة الصفوية إلا أن هذا التحول يعتبر تحولاً خطيراً في مسارها فهذه هي أول معركة حربية تخوضها .
ثم انتقلت الرئاسة من بعده إلى ابنه السلطان حيدر حيث أخذ يعد العدة لينتقم لمقتل أبيه من حاكم شروان وأعد جيشاً جعل أفراده يرتدون القبعات الحمراء ومنذ ذلك الوقت صار أتباع الشيخ حيدر يعرفون بـ القزلباش أي حمر الرؤوس .
ولما رأى حاكم شروان أنه لا طاقة له بالسلطان حيدر طلب المساعدة من السلطان يعقوب من أسرة آق قويونلو[ ، الذي كانت بينه وبين السلطان حيدر عداوة فاجتمعا عليه وهزماه وقتلاه .
ثم انتقل الأمر إلى ابن السلطان علي الذي ما لبث أن قتل ثم انتقل الأمر إلى ابن السلطان حيدر الثاني مؤسس الدولة الصفوية الشاه إسماعيل الصفوي.
التمكين للأسرة الصفوية ، وقيام دولتهم كانت هناك محاولات لقتل أولاد حيدر جميعاً ومنهم الشاه إسماعيل ، ولكن يقال أنه اجتمع مائتان من أتباع ومريدي البيت الصفوي ونقلوا الشاه إسماعيل وأخاه إبراهيم بعد مقتل أخيهم خفية من أردبيل إلى كيلان ثم استدعى كاركياميرزا حاكم لاهيجان الأخوين وأقامهما عنده وكان حاكماً قوياً ، وقد قام بإعداد إسماعيل وتربيته تربية ثقافية وعلمية وعسكرية ليعده للملك .
ومكث إسماعيل فترة الإعداد خمس سنوات أتاحت بدورها فرصة كبيرة لأتباع البيت الصفوي للاتصال ببعضهم البعض بمساندة حاكم المنطقة .
في هذه الأثناء كان الصراع والتفكك قد فشى في أسرة آق قويونلو فظهرت في الأفق الفرصة لأنصار الصفويين بتحريك الشاه إسماعيل وإعداد الجيش حوله واغتنام هذه الفرصة .
فتكون جيش القزلباش وتحرك الشاه إسماعبل بجيش يقدر بحوالي سبعة آلاف مقاتل أشداء إلى شروان للانتقام من حاكمها الذي قتل أباه وجده ، واستطاع هزيمته وقتله ، وقد كان قاسياً جداً في معاملته للقتلى حيث حرق جثة حاكم شروان ونبش القبور وخرب ودمر كل ما حوله وخرج من هذه المعركة بمكسبين : الأول : كسبه قوة شعبية وسياسية حيث التف حوله كثير من الإيرانيين الشيعة الذين كانوا يرون في شخصيته منقذاً لهم من دوامات الأسر الحاكمة .
والمكسب الثاني : هو الغنائم التي غنمها في هذه المعركة وهذا كان له أثر كبير في تدعيم جيشه .
وهناك بدأ التقدم الصفوي القوي ضد أسرة آق قويونلو وشعر بذلك زعيمها في ذلك الوقت الوندميرزا ، الذي أرسل رسالة إلى الشاه إسماعيل يذكره فيها بالقرابة والصلة بين الأسرتين ويدعوه أن لا يقترب من حدوده وإلا فإن لديه ثلاثين ألف مقاتل سيكونون له بالمرصاد ، وكان جواب الشاه إسماعيل له إنه إما أن يدخل تحت حكمه ويتشيع وإما القتال .
وحدثت معركة قوية بين الطرفين عام 907هـ ، وتمكن الشاه إسماعيل من هزيمة الوندميرزا الذي هرب بدوره إلى أرزنجان تاركاً الكثير من المعدات العسكرية للشاه إسماعيل ، ودخل الشاه إسماعيل تبريز منتصراً .
وبعد هذه المعركة الفاصلة توج الشاه إسماعيل ملكاً على إيران ، وما إن تم له ذلك حتى أعلن فرض المذهب الشيعي مذهباً رسمياً في مختلف أنحاء إيران دون مقدمات ، وقد كان أكثر من ثلاثة أرباع إيران من السنة وكل من عارض هذا الأمر لقي حتفه فانقاد الناس له .
ثم بدأ في التوسع في أنحاء إيران المختلفة فانتقل إلى همذان، وهزم حاكمها السلطان مراد الذي خلف الوندميرزا ثم انتقل إلى شيراز وفرض فيها المذهب الشيعي كذلك ، وخاض عدة معارك حتى استتب له أمر إيران .
إنه من المفارقات والعجائب أن تتحول دولة بأكملها من دولة سنية إلى شيعية ، كما حصل ذلك في إيران ، التي كانت ذات أغلبية سنية ثم تحولت بسبب ظروف خاصة أحاطت بها إلى دولة شيعية تحارب السنة وأهلها .
أسباب التحول إلى المذهب الشيعي في إيران
انتشار الفوضى والفتن : بعد موت تيمور لنك تجزأت الإمبراطورية التيمورية إلى عدة أجزاء بعد صراعات متصلة وحروب دامية بين أبناء تيمور لنك الأربعة.
وكان هناك صراع متصاعد بين أسرتي التركمان التي كانت تسيطر على منطقة غرب إيران وهما آق قويونلو و قراقويونلو والتي لم تدم سيطرة الحكم التيموري فيها طويلا ، فاستغلت هاتان الأسرتان الوضع لبسط نفوذهما وذلك كان سبب الصراع بينهما.
هذه الظروف السيئة مجتمعة ولدت الظلم والإجحاف من الحكام الذين كانوا يتنازعون السلطة في المنطقة ، ولم يكن لديهم الاهتمام بالرعايا ، ونعلم الأثر النفسي للحروب على السكان الذين ضاقوا ذرعاً بذلك وفقدوا الأمل في حياة مستقرة فلجأوا إلى الحلقات الصوفية للأسرة الصفوية بحثاً عن الراحة النفسية ولم يكتفوا بذلك بل أصبحوا مؤيدين وأتباعاً لها ، وكان الناس ينظرون بفارغ الصبر إلى اليوم الذي يتخلصون فيه من هذه النكبات فأخذوا في شد أزر الأسرة الصفوية ، وقد كان لتولي شيوخ الأسرة الصفوية القيادة الدينية والعسكرية معاً الأثر الكبير في إبراز قدرتهم ونفوذهم مما أكسبهم ثقة الناس وخاصة أنهم لم يكونوا قد أعلنوا تعصبهم للمذهب الشيعي وأنهم سيفرضونه بالقوة على رقاب الناس .
نشاط دعاة الشيعة وانتشارهم بين القبائل كان هؤلاء الدعاة يمهدون لقبول المذهب الشيعي ، وكانوا يتمركزون في مدن معينة مثل كامشان ، قُم ، الري ، وقد كانوا بعملهم هذا يهيئون الرأي العام الإيراني لمثل هذا التحول بنشر الأفكار والمعتقدات الشيعية بين عامة أفراد الشعب ، وقد كان إسماعيل مدركاً لمدى رسوخ العقيدة عند أتباع المذهب الشيعي الذي كانوا يتعصبون له مما جعله يستغل ذلك بتحريكهم وجمعهم.
القهر الذي مارسه الشاه إسماعيل ضد السنة بعد أن تُوج الشاه إسماعيل ملكاً أعلن أن المذهب الشيعي هو المذهب والمعتقد الرئيسي لإيران ، وذلك بعد دخوله تبريز ، وكل من يخالف ذلك ويرفضه فإن مصيره القتل ، حتى إنه قد ذكر له أن عدد سكان تبريز السنة يزيدون على ثلاثة أرباع السكان .
فقال : إن من يقول حرفاً واحداً فإنه سيسحب سيفه ولن يترك أحداً يعيش ، وحتى قيل إن عدد من قتلوا في مذبحة تبريز أكثر من عشرين ألف شخص ، وقد مورس ضد السكان السنة أبشع أنواع القتل والتنكيل حيث قطعت أوصال الرجال والنساء والأطفال ومُثل بالجثث, فاستسلم الناس لهذا التصميم على فرض المذهب الشيعي .
الدافع القومي لدى الشعوب التي كانت تسكن المنطقة فقد تجمع في إيران بمرور الزمن أقوام وأجناس مختلفة فكان فيها الإيرانيون والعرب والأتراك والمغول فكان التعصب للجنس ظاهراً بينهم .
وكان التنافس شديداً بين الأتراك والإيرانيون والخلاف مستمر .
وأيضاً كان موقعهم الجغرافي بين العثمانيين من الغرب والأزبك من الشرق دافعاً لمثل هذا التعصب والحمية.
وقد استغل إسماعيل هذه النقاط حيث أذكى الحماس لدى هذه القبائل والتعصب ضد من حولهم وأوحى لهم بتكوين تجمع خاص يحفظ لهم قوتهم وسيطرتهم على المنطقة .
هذه العوامل التي ذكرناها مجتمعة كانت من أهم العوامل التي ساعدت على قيام هذه الدولة الشيعية في وسط غالبية من السنة .
القوى المحيطة بالدولة الصفوية
كانت عناصر القوة المحيطة بإيران في ذلك العصر تتركز في ثلاثة محاور رئيسية : العثمانيين ، وقبائل وعشائر الأزبك وهي قبائل سنية ، والتيموريين الذين انهارت دولتهم بموت تيمور لنك - كما ذكرنا آنفاً .
أما العثمانيون فكانوا الند القوي للدولة الصفوية ، وخاضوا معها معارك وحروب عدة كما سيأتي : وأما قبائل الأزبك فكانت تسعى للسيطرة على إيران وترى أنها أحق من الشاه إسماعيل الصفوي في الملك ، وبدايةً كان الشاه إسماعيل كان يريد أن يقيم علاقات ودية معهم ، وأرسل مبعوثين لذلك ، ولكن قائد الأزبك شيبك خان رد المبعوثين خائبين قد كانت لقبائل الأزبك تحركات قوية في المنطقة توحي أنها تسعى للسيطرة عليها وخاصة أنها شعرت بخطر سيطرة الرافضة ، مما كان السبب في قيام الحروب والمعارك بين الطرفين التي كانت غالباً ما تنتهي بانتصار الصفويين .
آثار الصدام بين الدولة العثمانية والصفويين
لقد أثر القتال الذي دار بين الدولة العثمانية والصفويين تأثيراً مباشراً على الدولة العثمانية سواء في المجال العسكري وتقدمها في الفتوحات في أرض أوروبا الصليبية أو في اقتصاد الدولة .
فقد أثر القتال على إيرادات الدولة العثمانية من الجمارك التي كانت تحصلها من الطرق القديمة في الأناضول ، إذ أُقفلت معظم الطرق التجارية القديمة التي سادها الخطر ، وصار التبادل التجاري بين الأقاليم الإيرانية والعثمانية محدوداً ؛ إذ انخفض إيراد الدولة العثمانية من الحرير الفارسي في حين تحولت سيطرة البرتغال على البحار الشرقية إلى حصار عام لكل الطرق القديمة بين الشرق والغرب - عبر الشرق الأوسط -التي كانت حينئذ تحت سيطرة الدولة العثمانية .
ولقد استفادت أوروبا اقتصادياً استفادة كبيرة ، حيث كان الاقتصاد الأوروبي متأثرا كثيرا بسبب الحصار العثماني لقوافله ولمناطق النفوذ التجاري فكسدت التجارة الأوروبية في البر وهذا مما شجع البرتغاليين على سلوك جانب البحر لاكتشاف الطرق البحرية ، فكانت رحلة فاسكوديجاما .
حتى البحر كان الأوروبيون يجدون في سلوكه مشقة وكانت تجارتهم فيه تتعرض للحصار ، وكان العثمانيون قد استطاعوا قطع طريق التجارة القديم الذي يربط أوروبا بالشرق ولم يعد الأوروبيون قادرين على حمل بضاعتهم إلى الموانيء الشرقية للبحر الأبيض المتوسط وكسد حال تجار أوروبا الذين كانوا يتاجرون مع آسيا .
ويكفي قول بوسيك سفير فرديناند في بلاط السلطان محمد الفاتح حين صرح قائلاً : " إن ظهور الصفويين قد حال بيننا ( يقصد الأوروبيين ) وبين التهلكة ( يقصد الهلاك على أيدي العثمانيين ) .
وقد تسببت الكثير من الحروب في أن يرجع القادة العثمانيون من فتوحاتهم في أوروبا ليوقفوا الزحف الصفوي على الأراضي السُنية ، كما حدث مع السلطان سليم العثماني حينما عاد من فتوحاته في أوروبا ليواجه إسماعيل الصفوي ، وكما حدث مع السلطان حينما حاصر النمسا وكان يدك أسوارها لمدة ستة أشهر وكاد أن يفتحها ، ولكن طارت إليه أنباء من الشرق جعلته يُكر راجعاً إلى استانبول ، لقد كانت نذر الخطر الصفوي .
اتفاقيات ومؤامرات الصفويين مع النصارى ضد الدولة العثمانية
في حين كانت الدولة العثمانية رافعة راية الإسلام غازية في أوروبا فاتحة للقسطنطينية مدافعة عن الدول الإسلامية من الهجمات الصليبية ، وتخشاها جميع دول ومماليك أوروبا ، كانت الدولة الصفوية تُحيك المؤامرات ضدها وتدخل في اتفاقيات مع دول أوروبا الصليبية لمحاولة القضاء على القوة العثمانية الإسلامية .
وبشهادة الجميع كان عهد الدولة الصفوية هو عهد إدخال قوى الاستعمار في المنطقة حيث مهدت له الطريق .
ولقد شهد التاريخ كثيراً من تلك المؤامرات وخاصة التي كانت في عهد الشاه إسماعيل الصفوي ، فبعد الهزيمة المرة التي لحقت به في موقعة جالديران أمام السلطان سليم تحرك للتحالف مع البرتغاليين لتغطية الهزيمة التي لحقت به في هذه الموقعة فأقام العلاقات معهم والذين هم أنفسهم كانوا يبحثون عنها فقد كانوا جزءاً من أوروبا التي فرحت بظهور الدولة الصفوية حين لاحت لهم بظهورها فرصة انفراج الضغط العثماني عليهم وعلى تجارتهم ، ولذلك فقد سعت الدول الأوروبية إلى إسماعيل تعرض عليه تثبيت عُرى الصداقة والمودة لحضه على إيجاد علاقات سياسية واقتصادية .
وأما البرتغاليون فقد تمت اتفاقية بين الشاه إسماعيل والبوكرك ، الحاكم البرتغالي في الهند نصت على أربع نقاط هي :
تصاحب قوة بحرية برتغالية حملة إيران على البحرين والقطيف.
تتعاون البرتغال مع إيران في إخماد حركات التمرد في بلوجستان ومكران .
تتحد الدولتان في مواجهة الدولة العثمانية .
تصرف حكومة إيران النظر عن جزيرة هرمز ، وتوافق على أن يبقى حاكمها تابعاً للبرتغال وأن لا تتدخل في أمورها الداخلية .
وأما اتفاقهم مع جمهورية فينيسيا ( البندقية ) فكانت مخزية كذلك ، فقد كانت فينيسيا من الدول المتأثرة تجاريا بسبب قضاء العثمانيين على الدولة البيزنطية وإغلاقها الطريق الرئيس للتجارة بين أوروبا وآسيا ، فأرسل الشاه إسماعيل السفراء إلى بلاط فينيسيا طالباً الهجوم على العثمانيين عن طريق البحر ، وأن يقوم هو بالهجوم من ناحية البر ، بشرط أن تسترد فينيسيا قواعدها التي فقدتها في البحر الأبيض المتوسط .
ومن الدول التي كانت إيران تسعى لإيجاد علاقات معها للتخلص من الدولة العثمانية أسبانيا والمجر حيث بعث الشاه إسماعيل برسالتين إلى أسبانيا والمجر ، طلب فيها عقد معاهدة صداقة وتعاون بينهم وعرض فكرة اتحاد بغرض سحق الأتراك ، حسب تعبيره .
وكانت للشاه عباس كذلك اتصالات ومؤامرات مع الجانب الصليبي ؛ فقد قدم الشاه عروضا للأسبان عن طريق البنادقة لكي يتقاسما أراضي الدولة العثمانية فتحصل الأولى على الجزء الأوروبي وتستأثر الثانية بالآسيوي ولم يكن هذا العرض سوى واحد من عروض كثيرة حملها سفراء إيرانيون كانوا يقطعون المسافة بين أوروبا وإيران جيئة وذهابا .
كان هذا هو المنهج الذي نهجه الصفويون في تعاملهم مع دولة السُنة ، منهج كيد وتآمر ، ولقد أثر ذلك في كثير من مجريات الأمور، واستفادت الدول الأوروبية منه أعظم استفادة كما مر معنا سابقاً .
ويرى الرافضة أن تقاربهم مع أهل السُنة كما يذكر ذلك ويقرره المؤرخ الشيعي عباس إقبال في كتابه " تاريخ إيران بعد الإسلام " حيث يقول في صفحة ( 647 )" يُعد الشاه إسماعيل بلا شبهة أحد أرشد وأكبر ملوك إيران ومع أنه تخطى جادة الإنصاف والمروءة في تحميل مذهب التشيع على شعب إيران وكان أغلبهم حتى ذاك الوقت من السُنة فسفك دماء كثير من الأبرياء بقسوة إلا أن سياسته في هذا السبيل أي إيجاد الوحدة المذهبية في إيران وجعل المذهب الشيعي مذهباً رسمياً واختيار السيرة التي سار عليها خلفاؤه قد أفضت إلى نتيجة هامة جداً ، هي حفظ المجتمع الإيراني من شر هجمات السلاطين العثمانيين المتعصبين الذين كانوا يسمون أنفسهم من أواخر عهد السلطان سليم أمراء المؤمنين وخلفاء جميع المسلمين وادعوا أن كافة المسلمين لابد أن يطيعوهم بحافز الإيمان كهد الناس في زمن العباسيين وأن يعترفوا بأن إجراء أوامر السلطان فيهم فريضة دينية بعد حكم الله ورسوله ، وقد حالت سياسة الملوك الصفويين بعداوتهم الدينية للسلاطين العثمانيين دون انخداع أهل إيران بهذه الدعوة وانخراطهم بفقد استقلالهم في المجتمع السني بل إنهم خلافاً لذلك كانوا دائما يتوددون ويرتبطون ببلاد المسيحيين الأوروبية يستقبلون سفرائهم ويبعثون إليهم بمبعوثيهم ، وقد تعرفت إيران إلى حد ما بهذه الطريقة إلى أحوال أوروبا التي كانت في حالة من الرقي ، كما صارت مقدمات لانتقال بعض وسائل الحضارة الجديدة إلى إيران " .
نهاية وانهيار الدولة الصفوية
رغم أنه في عصر الشاه عباس الكبير وصلت الدولة الصفوية إلى درجة كبيرة من التقدم والازدهار إلا أنها أخذت تنحو نحو الانحدار بعد وفاته .
ورغم أن الشاه عباس الكبير قد دفع بإيران إلى التقدم إلا أنه قد زرع في نفس الوقت بذور الضعف في الدولة الصفوية فشرع السوس ينخر في عظامها.
وكان قد شاع في أواسط الأسرة الصفوية قتل بعضهم البعض خوفاً على المناصب ، فكانوا يقتلون كل من يتوجسون منه خيفة من أقاربهم حتى وصل الأمر بهم إلى قتل أبنائهم كما فعل الشاه عباس الكبير فقد قتل أبنائه الأربعة وسمل أعينهم كما مر معنا سابقاً .
وكانت كثرة العداوات مع الجيران المسلين سبباً قوياً في إنهاك الدولة وإضعافها ، فحروبهم التي كانوا يخوضونها مع الدولة العثمانية ومع الأُزبك والأكراد والأفغان كان الغرض منها ليس توحيد المسلمين تحت راية واحدة وإقامة خلافة إسلامية ، وإنما الغرض الأساسي هو السيطرة ومد النفوذ ونشر العقيدة والمذهب الشيعي بالقهر والقوة ، وقتل كل من يعارض ذلك فسفكوا الدماء في المدن السُنية التي كانوا يدخلونها ؛ لذلك استمرت الحروب مع الجيران حتى كانت مرحلة الضعف في الدولة الصفوية ومن ثم الانهيار .
وكان القهر الذي يمارس على الشعب والشطط في جباية الضرائب وظلم العمال سببا في قيام الثورات الداخلية ، وكذلك الضعف الاقتصادي الذي ألم بإيران في عصر الشاه عباس نتيجة النظام الإقطاعي الذي أوجده حيث أدى إلى حدوث مجاعات وقلة في المؤن حتى أن العسكر والمدنيين لم يجدوا الرواتب .
وكان من أسباب الانهيار كذلك ضعف الأمراء من بعد الشاه عباس الكبير وميولهم إلى الخمر والنساء وإهمال أمر الدولة ، فقد مرَّ في المباحث السابقة أنه تولى بعد الشاه عباس حفيده صفي ثم خلف صفيا ابنه عباس الثاني وبعده ابنه سليمان ، وخلف سليمان ابنه حسين ، ومن ثم ابن حسين طهماسب الثاني والذي انهار ملك الصفويين في عهده فقد كثُر الخارجين على الدولة من الداخل وكثر الهجوم من الخارج ، من الأفغان والعثمانيين والروس فلم يستطع السيطرة على المنطقة إلا بمساعدة نادر زعيم الافشاريين وعقد حلفاً معه ، فقد كان قائدا ذكيا شجاعا استطاع السيطرة على المنطقة والقضاء على الفتن الداخلية وإيقاف وصد الهجمات الخارجية ومن ثم قام بعزل طهماسب وأقام ابنه عباس الثالث الرضيع مكانه وأعلن نفسه وصيا على العرش ولم تمض ستة أشهر حتى أخذ الملك لنفسه باختيار القادة والأمراء حوله .
وكانت هذه نهاية طبيعية لدولة قامت على الظلم والتفريق بين الأمة والتحالف مع أعدائها ، وقد كانت الفترة التي قضتها الأسرة على كرسي الحكم قرنين ونصف القرن .
شجرة الأسرة الصفوية في الرئاسة والحكم , صفي الدين الأردبيلي , صدر الدين موسى بن صفي الدين , السلطان خواجة سياهبوش ، إبراهيم ( شيخ شاه) , السلطان جُنيد , السلطان حيدر , الشاه إسماعيل الصفوي ( مؤسس الدولة الصفوية) , طهماسب , الشاه إسماعيل الثاني , السطان محمد خدا بنده , الشاه عباس الكبير , صفي الأول ,عباس الثاني , صفي الثاني ( سليمان) , حسين , طهماسب الثاني , عباس الثالث (الرضيع)
يتبع .......

ليست هناك تعليقات: