الجمعة، 18 ديسمبر 2009

الاحزاب الدينية .. ظهور الاحزاب الثلاث الجزء الثاني


العرب احد الشعوب السامية تنحدر من سام ابن نوح ينقسم العرب الى قسمين الابائدة واالعرب الباقية ... الابائدة هم من بادوا كعاد وثمود وطسم وجديس وجرهم الاولى والعرب الباقية هم القحطانيين كطيء ولخم وجدام , العدنانية كفزارة وسليم وقريش وغيرهم ...اما العرب الباقية فهم نوعين عرب عاربة وعرب مستعربة فالعاربة العرب العرباء وهم بني قحطان بن عابر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح اما قحطان فكان اول من ملك اليمن واول من سلم ( ابيت اللعن ) كما يقال للملوك وقد تشعبت قبائلة وبطونه من سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان فكان منه بطون حمير وكهلان واليه ينسب سكان يثرب من الاوس والخزرج .
العرب المستعربة هم بنو إسماعيل ابن إبراهيم وسموا بذلك لان إسماعيل لما نزل جرهم من قحطان فتزوج منهم وتعلم هو وبنوه العربية فسموا مستعربة والموجودين من العرب من ولد إسماعيل كلهم من بني عدنان بن ادد
وقد وجهه العرب همهم الى الى انسابهم وكانوا يعتنون بها عناية كبيرة لانها دعامة من دعائهم الألفة والتنافر ومن دعامات النظام السياسي فالنسب هو الضامن والكفيل للحصول على حقوق المواطنة في المجتمع القبلي الذي تقوم منه القبيلة وفروعها وتقوم مقام القومية والجنسية ألان .
حاول القران ان يبعد الناس عن الأنساب والاحساب لأنها تبعد العرب عن الاجتماع كأمة ايمانية
وقد قال الله : فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ [المؤمنون : 101]
وقال رسول الله ( ص ) : تعلموا من انسابكم ماتصلون به ارحامكم فان صلة الرحم محبه في الأهل مثراة في المال منساة في الأثر .
وعلى الرغم من ان القران لم يتعرض الى تقسيم العرب الى عدنان وقحطان انما خاطبهم بلسان الرسول على انهم من نسل إسماعيل وإبراهيم ((وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الحج : 78]))
ويرجح ان وضع الخليفة عمر بن الخطاب لديوان العطاء كان أول تنبيه للعرب الى ضرورة العناية بأنسابهم وتصنيفها وتدوينها لاسيما وان بناء الدولة كان في ذلك الوقت قبليا وقد ذكر ان الوليد بن هشام بن المغيرة هو الذي اشار على عمر بن الخطاب بتدوين الدواوين وتجنيد الجند وفقا لما رآه لدى ملوك الشام فاخذ عمر برئيه ودعا عقيل بن ابي طالب ومخرمة بن نوفل وجبير بن مطعم وأمرهم ان يكتبوا الناس على منازلهم .
وقد صنفت الدواوين الناس بالقرابة بالرسول وبالسابقة في الإسلام وبالطبقات التي تستند على أساس دورهم في الفتوحات والغزوات
بينما تميز الناس في عهد الدولة الاموية الى عدنانيين وقحطانيين وكان هناك حزبين يمن وقيس او يمن ومضر او قحطان وعدنان وقد شجعت الفتن التي ظهرت في عهد عثمان وعلي ومعاوية على تمايز الناس وعلى ظهور العصبيات القبلية فتحزبت القبائل وكانت تقاتل على أنها همدان او طيء او مضر او ربيعة او غير لك
وقد كان لمصاهرات الخلفاء اثر كبير في إثارة الكثير من الصراعات القبيلة بين انساب الخلفاء الذين يقربون من السلطة وبين باقي القبائل المنافسة كما حدث حينما تزوج معاوية من ميسون بنت بحدل الكلابية وقد أدى هذا الى دعم أعدائهم من قيس لثورة ابن الزبير في نزاعه مع مروان بين الحكم
ونلاحظ ظهور المنافسة أخرى بين اهل الوبر واهل المدر وعرب الجنوب وعرب الشمال
اما حب القتال الذي امتازت به تميم فقد تجلى في دعمهم لسجاح المتنبئة وبعد حروبهم مع خالد رجعوا الى الاسلام وتوجهوا الى قتال الفرس ثم خراسان وقد أظهرت تميم ما كان معروف عنها من حبها للقتال في الجاهلية وقد فطروا على عدم الانصياع للسلطان وكان لهم نصيب في جميع الفتن التي ظهرت في عهد الدولة الأموية وقد أوقعوا وقائع دموية مع ازد عمان في البصرة وخراسان وتهاجا شعرائهم فنظم الكميت قصيدته ورد عليها دعبل الخزاعي
هم كتبوا الكتاب بباب مرو وباب الصين كانوا ألكاتبينا
وهم جمعوا الجموع بسمرقند وهم غرسوا هناك التبتبينا
وقد رتبت القبائل العربية كالتالي : شعب وهو النسب الأبعد كعدنان مثلا ثم القبيلة مثل ربيعة ومضر والعمارة كقريش والبطن كعبد مناف والفخذ كبني هاشم والفصيلة كبني العباس . وشعوبا كما وردت في الاية هي من شعباي النسب الابعد عن القبيلة .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات : 13]
كان المجتمع العربي قبل الدعوة الإسلامية مجتمعا قبليا تتحكم فيه العصبية اشد التحكم وكان على الإسلام ان يواجه هذا الواقع ليصلحه ويسمو به على مستوى اجتماعي إيماني أعلى ... وكانت مهمه الرسول مهمة عسيرة وبالغة المشقة فكان بحاجة الى ايقاظ العاطفة الدينية في النفوس وليس فقط الاكتفاء بنشر المباديء وكان اول من اتبع محمد هم من أفراد عشيرته والأصدقاء والموالي والرقيق غير انه كان يرغب بضم كل أهل مكة لدعوته ومن ثم يرتفع بالدعوة الى أمه ويجعلهم على اتجاه ديني واحد .
ولم تكن الدولة نظام منفصل عن الجماعة بل كانت الدولة وفق منهجهم هي الجماعة في جملتها فلم يكن هناك نظام سياسي أسسه الإنسان بل كان هناك نظام اجتماعي طبيعي بالغ الدرجة من النماء
فالقبيلة هي وحدة سياسية بني عليها المجتمع الاول قبل الاسلام وكان على الإسلام ان ينقل المجتمع من طور الوحدات السياسية المتعددة القائمة على أساس القبيلة إلى طورا اكبر وهو الوحدة السياسية الشاملة القائمة على نظام دولة
وقد جمع الرسول القبائل في وحدة دينية ولغوية واجتماعية يكون خضوعهم لرئيس واحد ومن ثم خلفائه وجاءت الآيات لترفع من مستوى العرب ولغتهم ولدعوته الى التمسك بعنصر فعال من عناصر تكوين الأمة
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات : 13]
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ [فصلت : 44]
وقد كان لزاما على الرسول ان يحارب النزعات العصبية والروح القبلية التي كانت تحول دون توحيد القبائل العربية في العصر الجاهلي فلابد من إيجاد رابطة أقوى من رابطة الدم لأجل ان تزيل هذه العصبية القبلية وإحلال مشاعر الإخوة والسلام والوئام بين شتى القبائل
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً [الفتح : 26]
ويقول الرسول ( ص ) : من قاتل تحت راية عمية لعصبية او يدعو لعصبية او ينصر عصبية فقتل قتلة جاهلية
يامعشر قريش ان الله قد اذهب عنكم نخوة الجاهلية تعظمها الاباء الناس من ادم وادم من تراب
ولم يفاضل الرسول بين الناس وأسا أحسابهم او أنسابهم او أجناسهم وإنما فاضل على أساس التقوى يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم ..........
واكد الرسول في خطبه الوداع على ذلك كلكم من ادم وادم من تراب ان أكرمكم عند الله اتقاكم ... والناس كلكم سواء كأسنان المشط وقد شهد العرب حادثة لم يكونوا ليشاهدوها وهي ان محمد القرشي أصبح أخا لبلال الحبشي ولزيد بن حارثة الكلبي وهو مولى لخديجة وهبته للرسول فاعتقه .
وهذه الفكرة عارضت بالصميم نعرة الشعور القبلي عند العرب التي تبنى على أساس احترامه الشخصي وشهرة أجداده ومضى اقتدائهم بها الى نزاع دموي دائم
وقال في يوم فتح مكة الا كل دين او مال او دم ومأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي وكذلك الغي حق الثار الشخصي وأرجعه الى الله وأنكم مهما اختلفتم في شيء فمردودة الى الله والى محمد
ومن هنا كانت ردة الفعل العنيفة لزعماء قريش اذ وجد زعمائها أنفسهم مهددين في عقيدتهم ومصالحهم فازدادت حروبهم الكلامية مع المسلمين الى التهديد ولكن قوة العصبية للقبيلة التي يتميز بها العرب قد حمته من اي محاولة اعتداء على حياته على الرغم من ابن بني طالب ابني هاشم لم يظهروا اي عاطفة نحو تعاليم التي جاء بها محمد .
وقد هاجر الرسول الى يثرب فالمجتمع اليثربي كان أكثر ملائمة من المجتمع المكي لنشر الدعوة فقد كان منقسم على نفسه وكان هناك صراع بين قبيلتين عربيتين هما الأوس والخزرج وقد سادة المدينة حال من الفوضى وانعدام الأمن جعلت الحياة صعبه وغير ممكنة مما جعل الرسول يكون أفضل حل بوصفه فوق كل النزاعات العصبية الدموية وفوق النزاعات الحزبية وداعية إلى الوحدة والتضامن تحت لواء الدين
وكذلك وجود اليهودية قرب يثرب جعلت أهلها يتقبلون التعاليم التي تدعوا الى التوحيد والإيمان بالله الواحد
وقد يكون عامل المنافسة بين مكة والمدينة أيضا من عوامل نجاح الرسول في المدينة نتيجة المسابقة والمنافسة والمحاسدة لان اهل مكة من العدنانيين واهل المدينة من القحطانيين وهناك من يرى ان عدم خوف اهل المدينة من سقوط الاصنام وعدم تاثير ذلك على تجارتهم مثل ما يؤثر على اهل مكة مدعاة لصعود المدينة في منافستها لمكة
وقد استطاع الرسول ان يوجه ضربة قوية الى النظام المتمركز في الجزيرة العربية عن طريق إقامة حكومة دينية مطلقة بدلا من حكومات ارستقراطية التي كانت الأسر الحاكمة تتوزع فيها السياسة وشؤون العامة تحت مظلتها
ويقول فون كريمر عن وضع القبائل العربية في الإسلام (( وقد جمعت فكرة الدين المشترك . تحت زعامة واحدة شتى القبائل العربية في نظام سياسي واحد . ذلك النظام الذي في سرعة تبعث على الدهشة والإعجاب وان فكرة واحدة كبرى هي التي حققت هذه النتيجة وهي مبدءا الحياة القومية في جزيرة العرب وهكذا كان النظام القبلي لاول مرة وان لم يقضى عليه نهائيا ( اذ كان ذلك مستحيلا ) شيئا ثانويا بالنسبة للشعور بالوحدة الدينية
وفي صحيفة الرسول وهي كتاب عقد بين النبي محمد والأنصار واليهود في المدينة وهو الذي نظم أسس الدولة الإسلامية عقب الهجرة وقد جاء فيه
ان الفرد لاينتمي الى الامة الا عن طريق عشيرة وقبلية وبذلك تبقى العشيرة والقبيلة كما هي وان انتمت للأمة وكذلك تركت الرئاسات للقبائل على حالها وبقيت النفقات التي ليست ذاك صيغة خاصة كما هي كالفداء للأسرى ومسالة الولاء فلا يسوغ لأحد ان يدعو مولا لمخالفه مولاه
وقد تنبه الرسول الواقع الجديد في المدينة من ناحية وجود فئتان هما الأنصار والمهاجرين فاوجد رابطة جديدة وهي رابطة المؤاخاة فقد آخى الرسول بين الأنصار والمهاجرين
وعلى الرغم من الجهود الجبارة للرسول في انتزاع الجاهلية من صدور العرب الا ان بعض القبائل بقيت متمسكة بعاداتها فهذي خزاعة قتلت رجلا من ليث بقتيل لها في الجاهلية وان رجلا من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار فكان بينهما قتال وتنادى القوم يامعشر الأنصار وصرخ المهاجر يامعشر المهاجرين فبلغ ذلك الرسول فقال مالكم ودعوة الجاهلية .
وفي حديث الافك قال اسيد بن حضير زعيم الخزرج يارسول الله ان كان من الاوس نكفكهم وان يكون من إخواننا الخزرج فمرنا بأمرك . فوالله أنهم اهل لضرب أعناقهم فقام سعد بن عباد فقال كذبت لعمر الله ان تضرب اعناقهم اما ماقلت هذه المقالة الا ان عرفت انهم من الخزرج وان كانوا من قومك ماقلتها وتثاور الناس حتى كاد يكون شر بين الحيين ....... فقال الرسول ص ( يامعشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية وانا بين اظهركم بعد ان هداكم اللله للاسلام ) فبكى القوم وتعانقوا
ومع كل هذا فقد اتخذ النزاع بين الأوس والخزرج بعد الإسلام الى صيغة اخرىة فقد تطاول الحيان أيهما يفوز بسابقة عند الرسول ويذهب له ذلك فضلا . فلما قتلت الاوس كعب بن الاشرف لعداوته لمحمد وتحريضه عليه استأذنت الخزرج ان تقتل سلام بن حقيق اليهودي في خيبر فإذن لهم الرسول .
ونجد هذه المنافسة موجودة في قريش أيضا فقد كانت المنافسة بين بني أمية وبني هاشم من الجاهلية وفي الاسلام نصر بني هاشم محمد وحاربه بني أمية وعلى رأسهم ابو سفيان وقد ظلت العداوة بين الأسرتين قائمة ولفترة طويلة
الخلافة ونشاءه الحزبية السياسية
الحزبية السياسية هي قيام مجموعة من الناس بتكتل يضم من لهم مصالح متقاربة وافكار متسقة ولهم غايات موحدة ناجمه عن وضع موحد ..... فالحزب هو جند الرجل جماعته المستعدة دوما للقتال ونحوه . وحزب الرجل أصحابه الذين هم على رائيه
وفي عصر الرسول لم تنشاء أحزاب بل نواة حزبية وبداية تكتلات لان الكل كانوا يدينون بالولاء للرسول كانت له كلمة الفضل على الجميع فلم يكن هناك مجال لنشؤ او اختلاف في المذاهب وكان المسلمين على منهاج واحد في أصول الدين وفروعه غير من اظهر وفاقا واضمر نفاقا
مادام الخلاف طبيعيا في المجتمعات البشرية فلا بد ان تمر الأمة الإسلامية بفترات خلاف ولا غرابة في اختلاف المسلمين بعد الرسول وكانت بذور الخلاف قد بداة عند مرض النبي ووفاته ودفنه ... فقد كانت المسالة التي اختلف فيها المسلمون هي مسالة الخلافة او الامامة وهي مسالة سياسية لاعلاقة لها بالدين فهم لم يختلفوا على أركان الإسلام ومبادئه بل كان خلافهم في موضوع الخلافة والإمامة سياسيا بامتياز
وأول حركة سياسية ظهرت بعد وفاة الرسول هي مبادرة الأوس والخزرج الى الاجتماع في سقيفة بني ساعد الذي دعا له سعد بن عباد .. وقد علم بأمر هذا الاجتماع عمر بن الخطاب واخبر ابو بكر واصطحبا ابو عبيدة بن الجراح معهم
والتقوا بالأنصار في سقيفة بني ساعد فكان الخلاف بين المهاجرين والتنافس بينهم على الإمامة والخلافة ينبع من الروح العصبية والقبلية وليس خلافا دينيا فهم جميعا مسلمون على دين التوحيد الواحد
اما حزب الأنصار فقد قوضت خطبه ابو بكر أركان الوحدة فيه على الرغم من ان حركة الأنصار ليست وليدة اللحظة بل سبقها عدة اجتماعات ادى الى اتخاذ هذه الخطوة في يوم وفاة الرسول وهناك اشارات من الرسول الى تخوفه على الانصار ومنها حديثة لهم انكم ستلقون من بعدي أ ثرة فاصبروا حتى تردون علي الحوض وكذلك وصيته للأنصار والمهاجرين ( اما بعد يامعشر المهاجرين استوصوا بالأنصار خيرا فان الاناس تزيد والأنصار على هيئتها لاتزيد وإنهم كانوا عيبتي التي آويت اليها فأحسنوا الى محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم
وكان لصدور هذه الإشارات من الرسول اثرها في نفوس الأنصار الذين شعروا بالخوف من المصير السيئ
والحقيقة انه ظهر في تلك الفترة الحرجة ثلاث تيارات سياسية طالبت بالخلافة والإمامة ففرقة الشيعة وهم شيعة علي بن ابي طالب ومنها افترقت باقي طوائف الشيعة وفرقة الأنصار وقد دعوا عقد الأمر الى سعد بن عباد وفرقة المهاجرين وهذه مالت الى بيعة ابو بكر الصديق فجمعهم هذا الشعور المشترك بالخطر الى ان يعملوا متحدين لتدعيم مركزهم في الجماعة الاسلامية يجعلهم في مامن من قريش وغير قريش ممكن يضمرون لهم الضغينة ويظهرون غير ماتكنه صدورهم
فموقف سعد بن عباد وطموحه للإمارة يوم السقيفة قبل ان ينتزعها منه ابو بكر يعد امتداد لموقفه يوم فتح مكة .... فعندما مر بابو سفيان نظر اليه سعد وقال (( اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة اليوم أذل الله قريش )) وكان يريد استئصال شافه القرشيين الذين لم يدخلوا الإسلام
وكذلك موقف ثاني يتجسد في المشاعر غير الودية التي يحفظها الأنصار لقريش خصوصا يوم غزوة حنين اذ أعطى الرسول غنائم لقريش ولم يعطي الانصار شيء فوجدوا في أنفسهم حتى قال قائلهم لقي الرسول قومه
لقد حاول الأنصار الحصول على حقهم بالسيادة على المدينة مدينتهم ولكن نسوا ان المدينة أصبحت عاصمة الرسول والتي جعل منها عاصمة العالم الإسلامي بالكامل وهذا الصراع اوجد ظهور حزب الأنصار الذي كانت حججه كمايلي
1 - ان دارهم هي دار الهجرة والنصرة وفي مدينتهم تكون المجتمع الاسلامي واستوفى حصائصه فكانت حكومة الرسول فيهم ومنهم انطلقت الدعوة لتكتسح العالم
2 - انهم بذلوا دمائهم واموالهم في سبيل الدعوة ونذروا انفسهم في سبيلها ويقول الخباب في محاجته وانتم احق بهذا الامر فان باسيافكم دان الناس بهذا الدين
3 - خوفهم من قريش ان تكون لها السيادة وتنتقم منهم وقد قتلوا رجالها وصناديدها
وبعد بيعتهم لابو بكر قال الحباب بن منذر (( فعلتموها يامعشر الانصار اما والله لكاني بأبنائكم على أبواب ابنائهم قد وقفوا يسألونهم باكفهم ويسقون الماء . فقال له ابو بكر :" امنا تخاف ياحباب ؟قال ليس منك اخاف ولكن ممن يجي بعدك . اذا ذهبت انت وانا جاءنا بعدك من يسومنا الضيم ))
وقد كانت هذه الحجج التي ساقها الأنصار باجتجاهم في سقيفة بني ساعد ولكن ابا بكر استطاع ان يقوض بينهم العصبية القبلية الكامنة بالنفوس من الاوس والخزرج فقال مخاطبا الأنصار (( ان هذا الأمر تطاولت له الخزرج لم تقصر عنه الاوس و وان تطاولت له الاوس لوم تقصر عنه الخزرج وقد كان بين الحيين قتلة لاتنسى وجراح لاتداوى , فان نعق منكم ناعق فقد جلس بين الحيي اسد يضغمه المهاجري ويجرحه الانصاري ))وهذا جعل الانصار ينقسمون الى فريقين ويندفع اسيد بن حضير الاوسي ويقول لأصحابه (( والله لان وليها الخزرج عليكم مرة لازالت بهم عليكم بذلك فضيلة ولا يجعلوا لكم معهم نصيب فيها ابدا ))
وقد تجلت العصبية واضحة في سقيفة بني ساعد بين الأوس والخزرج ولم يقضي عليها الإسلام نهائيا وهذا بشير بن سعد وكان حاسدا لسعد بن عباد فقال (( يامعشر الانصار انا والله وان كنا اولى فضيلة في جهاد المشركين ,وسابقة في الدين . ما اردنا بها الا رضا ربنا وطاعة نبيه , ولا نبغي به من الدنيا عرضا , فان الله ولى المنه علينا بذلك , الا ان محمدا من قريش وقومه أحق به وأولى , ايم والله لايراني الله أنازعهم هذا الامر ابدا فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم ))
ومن ثم بادر الى مبايعة ابو بكر وهو خزرجي فلما رات الاوس ما صنع بشير بن سعد قام اسيد بن الحضير فبايع فبايعت الاوس كلها
وهنا لم يغب عن ابو بكر معرفة السبب الحقيقي لحزب الانصار وهو دافع الخوف فبادر الى ان يخطب فيهم ما يهديء من روعهم ويعطيهم أمنهم وأمانهم ويشركهم في أمره فقال في خطبه (( وانتم معشر الانصار من لاينكر فضلكم في الدين ولا سابقتكم العظيمة في الاسلام رضيكم الله انصار لدينه ولرسوله وجعل فيكم هجرته وفيكم جلة أزواجه والصحابة فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا احد بمنزلتكم , فنحن الأمراء وانتم الوزراء إلا تفتئتون بمشورة ولا يقضى دونكم الأمور ))
الملاحظ في هذا الصراع بين الأنصار والمهاجرين في السقيفة هو الصبغة السياسية للصراع وليست الدينية فقول عمر من ذا الذ يينازعنا سلطان محمد وامارته وقول الحباب بن المنذر املكوا أيديكم ولاتسمعوا لمقال هذا ( يقصد عمر ) واصحابة فيذهبوا بنصيبكم من هذا الامر
وقد قيل الكثير في هذا الأمر ودس فيه الكثير وتحدثوا عن موامرات ثلاثية ورباعية في أمر السقيفة لكنننا نرى انه صراع سياسي بامتياز تجلت فيه العصبية والمنطقية بشكل يعتبر مثلا في هكذا نوع من انواع الصراعات الحزبية
والحقيقة ان هذا مشابه للعادات القبلية العربية التي تقوم على اساس من يموت شيخ القبيلة تنتقل الشيوخية الى من يتمتع باعظم النفوذ فينتخب كبار القبيلة احدهم لمليء المكان الشاغر ويكون محترما لسنه او نفوذه اوخدماته المجيدة للمجتمع ) فابو عبيدة يخاطب علي بقوله (( انك حديث السن وهؤلاء مشيخة قريش قومك , وليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالامور , ولا ارى ابو بكر الا اقوى على هذا الامر منك واشد احتمالا له واضطلاعا به ))
لقد ناقشنا حزبين وبقى الحزب الثالث وهو حزب بني هاشم
اما الحزب الثالث فهو الحزب الهاشمي (( حزب علي ابن ابي طالب المسمى شيعة علي وهم معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته )) وهو كحزب المهاجرين يؤمن بان الخلافة في قريش ولكنه لايذهب الى التعميم بل الى التخصيص على انها في بني هاشم وتحديدا في علي بن ابي طالب فهو بن عم النبي وزوج ابنته وله سابقة في الاسلام وفضله ووعلمه وجهاده الذي وضعه في خدمه الاسلام
وكذلك فانهم يرون ان الخلافة ميراث ادبي ولو كان النبي يورث في ماله لكان من باب أولى به قرابته وكذلك ميراثه الأدبي
لقد كانت صفة القبيلة واضحة في حزبين المهاجرين والأنصار فنلاحظ انحسارها في حزب الشيعة فقد كان منهم الكندي كالمقداد والغفاري كابو ذر والعبد الفارسي كسلمان والعنسي كعمار بن ياسر الى جانب من المهاجرين والانصار
الحزب الهاشمي كغيره من الأحزاب لم يكن وليد الساعة فقد بداء التفكير فيه اثناء مرض الرسول كما تشير المصادر الى ان العباس عم النبي كان قد لقى عليا فقال له : (( ان النبي يقبض فاسأله ان كان الأمر لنا بينه وان كان لغيرنا أوصى بنا خيرا ))
وفي رواية الطبري (( انطلق بنا الى رسول الله فان كان هذا الامر فينا علمنا وان كان في غيرنا أمرنا فأوصى بنا خيرا الناس ))
ورجال هذا الحزب يستندون في تايد وجه نظرهم الى أحاديث منسوبة الى النبي ومنها (( ان النبي قد نص عليه واشار اليه باسمه ونسبه وعينه وقلد الأمة الامامته ونصبه علما لهم وجعله أولى بالمؤمنين من أنفسهم في مواطن كثيرة منها غدير خم وأعلمهم ان منزلته فيهم منزلة هارون من موسى الا انه لانبي من بعدي ))
وبينما الهاشميون في شغل عما حدث بين الحزبين في سقيفة بني ساعد تقرر مصير الخلافة بمبايعه ابو بكر في السقيفة دون ان يعلم احد من اعضاء الحزب الهاشمي حتى اذا خرج الناس من السقيفة الى المسجد اتاهم نبا ما توصل اليه المجتمعون ومما لاشك فيه ان علي ومن معه اخذوا على حين غرة الا العباس بن عبد المطلب فانه كما يبدوا من خلال إلحاحه على ابن أخيه كان يحس ان في الجو شيئا وبان الامر يكاد يفلت من حزب الهاشميين فقد الح على علي ان امدد يدك ابايعك يبايعك الناس وفي رواية أخرى ياعلي قم حتى أبايعك ومن حضرنا فان هذا الامر ان كان لم نرد مثلة والامر في ايدينا فقال علي : واحد يطمع فيه غيرنا قال العباس أظن والله سيكون .
وقد تأخرت بيعه علي لابو بكر ومن خلفه الهاشميون الى سته أشهر في قسم من الروايات وذلك بسبب سؤ العراقة التي نشأت بين ابو بكر وفاطمه بشأن ميراثها في فدك وخيبر وذلك حينما ذكر ابو بكر بان الرسول قال (( نحن معشر الانبياء لانورث وما تركناه صدقة وانما يأكل ال محمد في هذا المال وهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت ))
وقد ثار جدل بين ابو بكر وحزب الهاشميين بخصوص البيعة وهو صراع على السلطة بمفهومها السياسي فعلي كان يرى ان القوم قد عدوا على حق له فسلبوه اياه فيقول مخاطبا ابو بكر (( انا أحق بهذا الامر منكم لا أبايعكم وانتم اولى بالبيعه لي أخذتم هذا الامر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي وتأخذوه منا اهل البيت غصبا ألستم زعمتم للأنصار إنكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم فأعطوكم المقادة وسلموا لكم الإمارة وانا احتج عليكم بمثل ما احتججتم به عليهم )) ومن قوله احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة
وكان الحزب الهاشمي استند كما اسند حزب المهاجرين بالقرابة وكان سلاح علي في الاحتجاج عليهم قرابته من الرسول وبزوجته فاطمة ابنه الرسول وهذا الرباط الذي يجعله من ال بيت النبي فكان يخرج بها ليلا على حمار يدور بها مجالس المهاجرين والأنصار تسألهم النصرة لزوجها علي ولكنهم كانوا يقولون لها (( يابنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل )) فالانصار كانوا قد بايعوا ابو بكر والبيعة عند العربي عهد يعطيه فيملكهه ولا يستطيع فكاكا منه وهي تدل على حرمة ألكلمه عند العربي
وبعد موت فاطمة بايع عليا ابو بكر ويقول الطبري في هذا الصدد (( وكان لعلي وجه من الناس في حياة فاطمة فلما توفيت انصرفت وجوه الناس عن علي .. فضرع الى مبايعه ابو بكر ))
ان الجدل الذي قام بعد وفاة الرسول وخصوصا في موضوع الخلافة وموقف كل حزب من الأحزاب الثلاثة واتجاهه وفي ظل هذا التزاحم والصراع على السلطة وبعد ان شغلت هذه المسالة السياسية المسلمين لفترة اتضح لنا ان العصبية القبلية دور فعال مازال في نفوس القوم منها الكثير على الرغم من كل محاولات الرسول لمحوها من العالم الإسلامي وإحلال الرابطة الدينية مكانها
فالأنصار لبو داعي العصبية في اجتماعهم في سقيفة بني ساعد وهم يعلمون ان هناك من هو اتقى وانقى من سعد بن عبادة والاوس بايعت ابو بكر بداعي العصبية لتدفعها بعيدا عن الخزرج واحتجاج المهاجرين بالحديث الائمة من قريش انما هو بدافع العصبية القبلية ايضا وهي نفسها من دفعت ابو سفيان لينادي (( يال عبد مناف فيم ابو بكر من اموركم ويقول لنا ولابي فصيل انما هي بنو عبد مناف )) وقوله (( مابال هذا الامر في اقل حي من قريش )) فزعامة قريش كانت في عبد مناف وهم اعز قريش قبيلا
وقد قال شعرا بداعي العصبية
بني هاشم لاتطمعوا الناس فيكم ولاسيما تيم بن مرة او عدي
فما الامر الا فيكم واليكم وليس لها الا ابو الحسن علي
وقد قال لعلي امدد يدك لابايعك فرفض علي ذلك
مع كل هذا اتصور ان اختيار ابو بكر لخلافة الرسول هي محاولة مهمة وجدير بالدراسة لعملية فصل بيت النبوة عن بيت الخلافة حتى لاتكون شبه توحد السلطتين وترتبط بينهما رباطا دينيا ابديا كما رد على لسان عمر في حديث لعبد الله بن عباس (( ان قومكم كرهوا ان يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتتبجحوا على قومكم بجحا بجحا فاختارت قريش لنفسها فاصابت ووفقت ))
وقد رأى الكثير من المستشرقين (( ان من يدرك قوة الشعور القبلي العربي الذي لايعترف بمبدا الوراثة في إشكال حياته السياسية البدائية بل كان يترك لأعضاء القبيلة انتقاء أميرهم الخاص ))
واخيرا فما سل في الإسلام سيف على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة .. وهذا أدى إلى ظهور الأحزاب السياسية في المجتمع الإسلامي وكانت العصبية سيدة الموقف
وفي الجزء القادم سنناقش نشاءه وتطور قسم من الأحزاب الدينية .

ليست هناك تعليقات: